265
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

فَقَد رَفَعَ عَن كُلِّ مَن كانَ بِهذِهِ الصِّفَةِ الجِهادَ وجَميعَ الأَعمالِ الَّتي لا يَقومُ بِها ، وكَذلِكَ أوجَبَ عَلى ذِي اليَسارِ الحَجَّ وَالزَّكاةَ لِما مَلَّكَهُ مِنِ استِطاعَةِ ذلِكَ ولَم يوجِب عَلَى الفَقيرِ الزَّكاةَ وَالحَجَّ ؛ قَولُهُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»۱ ، وقَولُهُ فِي الظِّهارِ : «وَ الَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» إلى قَولِهِ : «فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا»۲ . كُلُّ ذلِكَ دَليلٌ عَلى أنَّ اللّهَ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ لَم يُكَلِّف عِبادَهُ إلّا ما مَلَّكَهُمُ استِطاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ ونَهاهُم عَن مِثلِ ذلِكَ ، فَهذِهِ صِحَّةُ الخِلقَةِ .
وأمّا قَولُهُ : تَخلِيَةُ السَّربِ فَهُوَ الَّذي لَيسَ عَلَيهِ رَقيبٌ يَحظُرُ عَلَيهِ ويَمنَعُهُ العَمَلَ بِما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وذلِكَ قَولُهُ فيمَنِ استُضعِفَ وحُظِرَ عَلَيهِ العَمَلُ فَلَم يَجِد حيلَةً ولا يَهتَدي سَبيلاً ، كَما قالَ اللّهُ تَعالى : «إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً»۳ ، فَأَخبَرَ أنَّ المُستَضعَفَ لَم يُخَلَّ سَربُهُ ولَيسَ عَلَيهِ مِنَ القَولِ شَيءٌ إذا كانَ مُطمَئِنَّ القَلبِ بِالإِيمانِ .
وأمَّا المُهلَةُ فِي الوَقتِ فَهُوَ العُمُرُ الَّذي يُمَتَّعُ الإِنسانُ مِن حَدِّ ما تَجِبُ عَلَيهِ المَعرِفَةُ إلى أجَلِ الوَقتِ ، وذلِكَ مِن وَقتِ تَمييزِهِ وبُلوغِ الحُلُمِ إلى أن يَأتِيَهُ أجَلُهُ . فَمَن ماتَ عَلى طَلَبِ الحَقِّ ولَم يُدرِك كَمالَهُ فَهُوَ عَلى خَيرٍ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»۴ الآيَةَ ، وإن كانَ لَم يَعمَل بِكَمالِ شَرائِعِهِ

1.آل عمران : ۹۷ .

2.المجادلة : ۳ و ۴ .

3.النساء : ۹۸ .

4.النساء : ۱۰۰ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
264

غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ» 1 ، وفي آياتٍ كَثيرَةٍ . فَأَوَّلُ نِعمَةِ اللّهِ عَلَى الإِنسانِ صِحَّةُ عَقلِهِ وتَفضيلُهُ عَلى كَثيرٍ مِن خَلقِهِ بِكَمالِ العَقلِ وتَمييزِ البَيانِ ، وذلِكَ أنَّ كُلَّ ذي حَرَكَةٍ عَلى بَسيطِ الأَرضِ هُوَ قائِمٌ بِنَفسِهِ بِحَواسِّهِ مُستَكمِلٌ في ذاتِهِ ، فَفَضَّلَ بَني آدَمَ بِالنُّطقِ الَّذي لَيسَ في غَيرِهِ مِنَ الخَلقِ المُدرِكِ بِالحَواسَّ ، فَمِن أجلِ النُّطقِ مَلَّكَ اللّهُ ابنَ آدَمَ غَيرَهُ مِنَ الخَلقِ ، حَتّى صارَ آمِرا ناهِيا وغَيرُهُ مُسَخَّرٌ لَهُ ، كَما قالَ اللّهُ : «كَذَ لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» 2 ، وقالَ : «وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّاوَ تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا» 3 ، وقالَ : «وَ الْأَنْعَـمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَ مَنَـفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ * وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَــلِغِيهِ إِلَا بِشِقِّ الْأَنفُسِ» 4 . فَمِن أجلِ ذلِكَ دَعَا اللّهُ الإِنسانَ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ وإلى طاعَتِهِ ، بِتَفضيلِهِ إيّاهُ بِاستِواءِ الخَلقِ وكَمالِ النُّطقِ وَالمَعرِفَةِ بَعدَ أن مَلَّكَهُمُ استِطاعَةَ ما كانَ تَعَبَّدَهُم بِهِ ، بِقَولِهِ : «فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُواْ وَ أَطِيعُواْ» ، 5 وقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا» 6 ، وقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَا ءَاتَاهَا» 7 ، وفي آياتٍ كَثيرَةٍ . فَإِذا سَلَبَ مِنَ العَبدِ حاسَّةً مِن حَواسِّهِ رَفَعَ العَمَلَ عَنهُ بِحاسَّتِهِ ، كَقَولِهِ : «لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ» 8
الآيَةَ .

1.الانفطار : ۶ ـ ۸ .

2.الحجّ : ۳۷ .

3.النحل : ۱۴ .

4.النحل : ۵ ـ ۷ . والدف ء : السخانة وهي ما يستدفى ء به من اللباس المعمول من الصوف والوبر .

5.التغابن : ۱۶ .

6.البقرة : ۲۸۶ .

7.الطلاق : ۷ .

8.النور : ۶۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 117704
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي