فَقَد رَفَعَ عَن كُلِّ مَن كانَ بِهذِهِ الصِّفَةِ الجِهادَ وجَميعَ الأَعمالِ الَّتي لا يَقومُ بِها ، وكَذلِكَ أوجَبَ عَلى ذِي اليَسارِ الحَجَّ وَالزَّكاةَ لِما مَلَّكَهُ مِنِ استِطاعَةِ ذلِكَ ولَم يوجِب عَلَى الفَقيرِ الزَّكاةَ وَالحَجَّ ؛ قَولُهُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»۱ ، وقَولُهُ فِي الظِّهارِ : «وَ الَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» إلى قَولِهِ : «فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا»۲ . كُلُّ ذلِكَ دَليلٌ عَلى أنَّ اللّهَ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ لَم يُكَلِّف عِبادَهُ إلّا ما مَلَّكَهُمُ استِطاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ ونَهاهُم عَن مِثلِ ذلِكَ ، فَهذِهِ صِحَّةُ الخِلقَةِ .
وأمّا قَولُهُ : تَخلِيَةُ السَّربِ فَهُوَ الَّذي لَيسَ عَلَيهِ رَقيبٌ يَحظُرُ عَلَيهِ ويَمنَعُهُ العَمَلَ بِما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وذلِكَ قَولُهُ فيمَنِ استُضعِفَ وحُظِرَ عَلَيهِ العَمَلُ فَلَم يَجِد حيلَةً ولا يَهتَدي سَبيلاً ، كَما قالَ اللّهُ تَعالى : «إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً»۳ ، فَأَخبَرَ أنَّ المُستَضعَفَ لَم يُخَلَّ سَربُهُ ولَيسَ عَلَيهِ مِنَ القَولِ شَيءٌ إذا كانَ مُطمَئِنَّ القَلبِ بِالإِيمانِ .
وأمَّا المُهلَةُ فِي الوَقتِ فَهُوَ العُمُرُ الَّذي يُمَتَّعُ الإِنسانُ مِن حَدِّ ما تَجِبُ عَلَيهِ المَعرِفَةُ إلى أجَلِ الوَقتِ ، وذلِكَ مِن وَقتِ تَمييزِهِ وبُلوغِ الحُلُمِ إلى أن يَأتِيَهُ أجَلُهُ . فَمَن ماتَ عَلى طَلَبِ الحَقِّ ولَم يُدرِك كَمالَهُ فَهُوَ عَلى خَيرٍ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»۴ الآيَةَ ، وإن كانَ لَم يَعمَل بِكَمالِ شَرائِعِهِ