273
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

وقد طرح نظريّة «الكسب» من أجل أن يتفادى الجبر وينسب دورا ما للإنسان ، فهو يرى أنّ القدرة القديمة هي وحدها المؤثّرة في الخلق وإيجاد الفعل ، وهذه القدرة للّه . وأمّا الإنسان فهو يتمتّع بالقدرة الحادثة ، وأثر هذه القدرة هو الإحساس بالحريّة والاختيار ، لا القيام بالفعل .
والمراد من «الكسب» هو اقتران إيجاد الفعل في الإنسان مع إيجاد القدرة الحادثة فيه ، ولكن بما أنّ كلّاً من الفعل والقدرة الحادثتين يصدران من قِبل اللّه ، فإنّ «الكسب» أيضا سيكون مخلوقا من قبل اللّه عز و جل ، كما يقول الأشعريّ :
إن قال قائل لِمَ زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة للّه تعالى ؟ قيل له : قلنا ذلك لأنّ اللّه تعالى قال : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ»۱ . ۲
بناءً على ذلك، فإنّ الأشعريّ يعتبر الإنسان ممتلكا للقدرة الحادثة ، ولكنّ هذه القدرة ليس لها أثر في إيجاد الفعل ، وهو نفس نظريّة الجبريّة المتوسّطة .
والسبب في أنّ الأشعريّ ينسب الكسب إلى الإنسان ، هو أنّ الفعل والقدرة الحادثة يحدثان في الإنسان ، كما يقال للشيء الّذي حلّت فيه الحركة : متحرّك . ۳

أدلّة نظرية الجبر ونقدها

لقد تمسّك أنصار نظريّة الجبر بدليلين ، سنقوم فيما يلي بطرحهما ونقدهما بشكلٍ إجمالي:

1 . التمسّك بالقضاء والقدر

يُعدّ القضاء والقدر الإلهييّن أهمّ أدلّة المتكلّمين من أهل الجبر . وقد لاحظنا ما قاله أحمد بن حنبل الّذي يعتبر اختيار الإنسان متنافيا مع القضاء والقدر الإلهيّين ،

1.الصافات: ۹۶ .

2.راجع : اللمع : ص ۴۰ .

3.راجع : اللمع : ص ۳۷ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
272

الحجر ، وطلعت الشمس وغربت ، وتغيّمت السماء وأمطرت ، واهتزّت الأرض وأنبتت ، إلى غير ذلك ، والثواب والعقاب جبر كما أنّ الأفعال كلّها جبر . قال : وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضا كان جبرا . ۱
يمثّل أهل الحديث أحد التيّارات العقيديّة المهمّة في الإسلام ، وهم لا يعتبرون أنفسهم من أهل الجبر ، ولكنّ كلامهم يستلزم الجبر . يذكر أحمد بن حنبل في رسالته الاعتقادية :
واللّه عز و جل قضى قضاءه على عباده ، لا يجاوزون قضاءه بل كلّهم صائرون إلى ما خلقهم له ، واقعون فيما قدّر عليهم لا محالة ، وهو عدل منه عز و جل . والزنى ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وقتل النفس ، وأكل المال الحرام ، والشرك باللّه عز و جل ، والذنوب والمعاصي كلّها بقضاءٍ وقدرٍ من اللّه عز و جل ، من غير أن يكون لأحدٍ من الخلق على اللّه حجّة ، بل للّه عز و جل الحجّة البالغة على خلقه «لَا يُسْـئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْـئلُونَ» ... ومن زعم أنّ اللّه عز و جل شاء لعباده الّذين عصوا الخير والطاعة ، وأنّ العباد شاؤوا لأنفسهم الشرّ والمعصية يعملون على مشيئتهم ، فقد زعم أنّ مشيئة العباد أغلب من مشيئة اللّه عز و جل . فأيّ افتراء على اللّه أكبر من هذا؟ . ۲
إنّ الأشاعرة يُعدّون المصداق البارز للجبريّة المتوسّطة ، رغم أنّهم لا يعتبرون أنفسهم جبريّين . ويؤمن الأشعري بعموميّة القضاء والقدر الجبريّين في الأفعال ، ويرى أنّ كلّ الأشياء ـ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة ـ مخلوقة من قبل اللّه سبحانه . يقول أبو الحسن الأشعري (المؤسس لنظرية الاشاعره) :
لافاعل له على حقيقته إلّا اللّه تعالى . ۳

1.الملل والنحل : ج ۱ ص ۸۶ .

2.راجع : بحوث في الملل والنحل : ج ۱ ص ۱۶۱ .

3.اللمع : ص ۳۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 117670
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي