277
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

«الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُـلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . ۱
ولا شكّ في أنّ الإنسان إذا كان مجبورا في ارتكاب الأفعال القبيحة ، فإنّ أعماله سوف لا تكون ممّا كسبه ، وفي هذه الحالة سيكون عقابه ظلما .
وقد استعرضنا في الفصل الثامن بشكلٍ مفصّل مسألة الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين من منظار الكتاب والسنّة ، وأكّدنا منافاة نظريّة الجبر للعدالة الإلهيّة ، كما نُقل عن الإمام عليّ عليه السلام :
لا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ .۲
ويروى أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام :
اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ عَبدا عَلى فِعلٍ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيهِ .۳

3 . ردّ نفي الحسن والقبح العقليين والتعاليم الدينية

إنّ نظريّة الجبر كما تنفي العدل الإلهيّ كذلك تنفي فلسفة النبوّة والإمامة والمعاد وجميع التعاليم الدينيّة والحسن والقبح العقلييّن ؛ ذلك لأنّ الإنسان المجبور سيكون كالحيوانات والجمادات ، ولا يمكن الحديث عن المسؤوليّة والتكليف والشريعة والمعاد والتعاليم الدينيّة الاُخرى فيما يتعلّق بهذه الموجودات . على هذا فإنّ الأدلّة الّتي تثبّتها التعاليم المذكورة كلّها أدلّة على ردّ نظريّة الجبر أيضا .

ثانيا : نظريّة التفويض

التفويض في اللغة يعني : إيكال أمرٍ إلى آخر وتسليمه إليه ، وله معانٍ عديدة في الأحاديث وعلم الكلام . هنا نشير أوّلاً إلى هذه المعاني ، ثمّ نبيّن المعنى الذي هو موضوع البحث في مسألة الجبر والاختيار .

1.غافر : ۱۷ .

2.راجع : ص ۵۲ ح ۵۷۰۵ .

3.راجع : ص ۲۸۹ ح ۶۱۱۴ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
276

الأشخاص يختارون الطريق الصحيح في الحياة رغم فساد الوسط الاُسريّ والاجتماعيّ الّذي يعيشون فيه . في حين نرى على العكس من ذلك أنّ بعض الأشخاص الّذين تربّوا في ظلّ اُسر صالحة وفي محيط نزيه ، يختارون طريق الفساد والضياع .
وأما العلّية الفلسفيّة فليست سوى مجموعة العوامل المؤثّرة في أفعال الإنسان ، وهذه العوامل لا تؤدّي أبدا إلى سلب الإرادة من الإنسان . بعبارةٍ اُخرى ، فإنّ العلّية الفلسفيّة لا تتحقّق أبدا بشأن أفعال الإنسان .

2 . عدم جواز إسناد القبح والظلم إلى اللّه

إنّ الدليل الآخر على بطلان نظريّة الجبر : هو أنّها تستلزم إسناد الأفعال القبيحة والظلم إلى اللّه ، فإذا اعتبرنا اللّه هو الفاعل لجميع الأفعال ومن جملتها أفعال الإنسان القبيحة ، فسوف ننسب هذه الأفعال إلى اللّه . ومن جهة اُخرى فإنّ إجبار الناس على الذنب ومعاقبتهم على ارتكابه ظلم واضح ، في حين أنّ من المحال عقليّا أن يرتكب اللّه الظلم والأفعال القبيحة .
وبسبب هذا الترابط بين نظريّة الجبر والعدل الإلهي ، طَرَح متكلّمو الإماميّة موضوع الجبر والاختيار في ذيل موضوع العدل الإلهيّ ، أو الأفعال الإلهيّة ، ومن خلال ردّ نظريّة الجبر ينفون الظلم والأفعال القبيحة عن اللّه ـ تعالى ـ . ۱
إنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ كلّ إنسان يجازى حسب ما كسبه ، ولا يُظلم أحد في ظلّ النظام الإلهيّ :
«مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْـلَمُونَ» . ۲

1.راجع : كشف المراد : ص ۳۰۸ .

2.الأنعام : ۱۶۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 117639
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي