الجبر قوله :
لَم يُفَوِّض الأَمرَ إِلى خَلقِهِ وَهنا مِنهُ وَضَعفا ، وَلا أَجبَرَهُم عَلى مَعاصيهِ ظُلما .۱
ونُقل أنّ رجلاً قدريّا دخل الشام وعجز الناس عن مناظرته ، فطلب عبدالملك بن مروان من والي المدينة أن يبعث الإمام الباقر عليه السلام لمناظرته ، فأرسل الإمام ابنه الإمام الصادق عليه السلام للمناظرة . فقال القدريّ للإمام عليه السلام : سل عمّا شئت . فقال الإمام :
اقرأ سورَةَ الحَمدِ .
فأخذ الرجل بقراءة سورة الحمد حتّى بلغ قوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ، فقال له الإمام :
قِف! مَن تَستَعينُ وَما حاجَتُكَ إِلى المَعونَةِ ، إِن كانَ الأَمرُ إِلَيكَ؟!
فعجز القدريّ عن الجواب وبهت ، ولاذ بالسكوت . ۲
وممّا يجدر ذكره أنّ المعتزلة يعتقدون باختيار الإنسان على أساس نفس الأدلّة السابقة الّتي طُرحت لردّ نظريّة الجبر ، ولكن اتّضح أنّ قولهم بالاختيار انتهى إلى التفويض ، وأمّا نظريّة «الأمر بين الأمرين» الّتي سنذكرها فيما يلي ، فإنّها تدحض التفويض في نفس الوقت الّذي تثبت فيه الاختيار .
ثالثاً : نظريّة لا جبر ولا تفويض
اعتبر أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ النظريّة الصحيحة هي القول بمنزلة بين الجبر والتفويض ، في معرض ردّهم على نظريّة الجبر من جهة ونظريّة التفويض ، أو القدر من جهةٍ اُخرى . فنُقل عن الإمام الصادق عليه السلام قوله :
لا جَبرَ وَلا قَدَرَ ، وَلَكِن مَنزِلَةٌ بَينَهُما .۳