281
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

على أساس هذه النظريّة فإنّ الناس ليسوا مجبورين ؛ ذلك لأنّهم يمتلكون القدرة والاختيار ، ومن جهةٍ اُخرى فإنّ الأعمال لم تُفوّض إليهم بشكلٍ مطلق ؛ لأنّ اللّه قادر أيضا على مقدورات الناس ، بل إنّ مالكيّة الإنسان في طول مالكيّة اللّه ، واللّه أكثر مالكيّة وقدرة ، لذلك فإنّ بإمكانه متى شاء أن يمنع الإنسان من استخدام القدرة ، أو يمنع تأثيرها في مجالٍ معيّنٍ ، أو أن يسلب من الإنسان أصل القدرة . فقد جاء في الأحاديث :
هُوَ ... القادِرُ عَلى ما أَقدَرَهُم عَلَيهِ .۱
هكذا فإنّ خلاصة البحوث والدراسات الّتي أجريناها استنادا إلى نظريّة «لا جبر ولا تفويض» هي : إنّ الإنسان حرّ مختار من جهة ، وهو أمر بديهيّ ووجدانيّ ، على هذا الأساس فإنّ العدل الإلهيّ ونبوّة الأنبياء والمعاد والتكليف اُمور معقولة منطقيّة . ومن جهةٍ اُخرى فإنّ نطاق القدرة والسلطة الإلهيّة لا يصبح محدودا .
على هذا الأساس فإنّ أدلّة بطلان نظريّة الجبر والتفويض ، هي أيضا أدلّة إثبات «لا جبر ولا تفويض» .

1.التوحيد : ص ۳۶۱ ح ۷ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
280

الجبر قوله :
لَم يُفَوِّض الأَمرَ إِلى خَلقِهِ وَهنا مِنهُ وَضَعفا ، وَلا أَجبَرَهُم عَلى مَعاصيهِ ظُلما .۱
ونُقل أنّ رجلاً قدريّا دخل الشام وعجز الناس عن مناظرته ، فطلب عبدالملك بن مروان من والي المدينة أن يبعث الإمام الباقر عليه السلام لمناظرته ، فأرسل الإمام ابنه الإمام الصادق عليه السلام للمناظرة . فقال القدريّ للإمام عليه السلام : سل عمّا شئت . فقال الإمام :
اقرأ سورَةَ الحَمدِ .
فأخذ الرجل بقراءة سورة الحمد حتّى بلغ قوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ، فقال له الإمام :
قِف! مَن تَستَعينُ وَما حاجَتُكَ إِلى المَعونَةِ ، إِن كانَ الأَمرُ إِلَيكَ؟!
فعجز القدريّ عن الجواب وبهت ، ولاذ بالسكوت . ۲
وممّا يجدر ذكره أنّ المعتزلة يعتقدون باختيار الإنسان على أساس نفس الأدلّة السابقة الّتي طُرحت لردّ نظريّة الجبر ، ولكن اتّضح أنّ قولهم بالاختيار انتهى إلى التفويض ، وأمّا نظريّة «الأمر بين الأمرين» الّتي سنذكرها فيما يلي ، فإنّها تدحض التفويض في نفس الوقت الّذي تثبت فيه الاختيار .

ثالثاً : نظريّة لا جبر ولا تفويض

اعتبر أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ النظريّة الصحيحة هي القول بمنزلة بين الجبر والتفويض ، في معرض ردّهم على نظريّة الجبر من جهة ونظريّة التفويض ، أو القدر من جهةٍ اُخرى . فنُقل عن الإمام الصادق عليه السلام قوله :
لا جَبرَ وَلا قَدَرَ ، وَلَكِن مَنزِلَةٌ بَينَهُما .۳

1.بحارالأنوار : ج ۵ ص ۱۷ ح ۲۶ .

2.راجع : تفسير العيّاشي : ج ۱ ص ۲۳ ح ۲۴ و بحار الأنوار : ج ۹۲ ص ۲۴۰ ح ۴۴ .

3.الكافي : ج ۱ ص ۱۵۹ ح ۱۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 139838
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي