373
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

الخير والشرّ، ونفع الشيء أو ضرّه، ولذلك فإنّ القتل في سبيل اللّه والّذي يعدّ شرّا حسب النظرة الابتدائيّة للعقل ، ليس في الحقيقة شرّا فحسب ، بل هو خير محض نظرا إلى آثاره .
على العكس من ذلك، فإنّ الثروة الطائلة من منظار القرآن شرّ ومدعاة للشقاء بالنسبة إلى المترفين، في حين أنّها تبدو من وجهة نظر الناس ذوي التفكير السطحيّي ، وحسب التحديد الابتدائي للعقل، سببا للسعادة والخير:
«وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ» . ۱
واستنادا إلى هذه النظرة العالميّة، فإنّ القرآن لا يعتبر حياة الكافرين وتمتّعهم بالإمكانيّات ونعم الدنيا الماديّة في صالحهم وحسب، بل يراها مضرّة لهم:
«فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَ لُهُمْ وَلَا أَوْلَـدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَـفِرُونَ» . ۲
كما يؤكّد أنّ إمهال الكافرين وطول أعمارهم ليس في صالحهم:
«وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» . ۳
بناء على ذلك، فإنّ وصف الاُمور الّتي تعتبر في الظاهر سعادة، أو بلاء ومصيبة، ب «الخير» و« الشرّ » يعتمد على موقف الإنسان إزاءها، فالإخفاقات لا تكون شرّا ، إلّا إذا لم تؤدّ إلى نموّ الإنسان وتكامله، واللذائذ لا تكون خيرا حقّا ، إلّا إذا حالت دون انحطاط الإنسان وشقائه، وباختصار فإنّ بإمكان الإنسان من خلال الاختيار الصحيح، أن يحوّل الاُمور السلبيّة و«الشرّيرة» في الظاهر إلى «خير» وأن يغيّر عبر

1.آل عمران: ۱۸۰ .

2.التوبة: ۵۵ .

3.آل عمران: ۱۷۸ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
372

بحياة الإنسان الدائمة . والشرّ : هو الشيء الّذي يضرُّ بحياة الإنسان الدائمة ، لذلك روي عن الإمام عليّ عليه السلام :
ما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، وما خَيرٌ بِخَيرٍ بَعدَهُ النّارُ . وكُلُّ نَعيمٍ دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِيَةٌ .۱
ونقل عنه عليه السلام في رواية اُخرى:
لا تَعُدَّنَّ خَيرا ما أدرَكتَ بِهِ شَرّا .۲لا تَعُدَّنَّ شَرّا ما أدرَكتَ بِهِ خَيرا .۳
استنادا إلى هذه النظرة العالميّة، يذكّر القرآن الكريم مرارا أنّ التمييز الابتدائي والسطحيّ للعقل، ليس هو ملاك التمييز بين الخير والشرّ :
«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْـئا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْـئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».۴
وكذلك يقول:
«وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْمُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» . ۵
في هذه الآيات اعتبرت الحرب والقتل في سبيل اللّه خيرا، في حين أنّ العقل يعتبره شرّا عبر نظرته الابتدائيّة، علما أنّه قد وردت الإشارة في الآية الاُولى إلى مبدأ كلّي عقليّ ، وهو أنّ التحديد الابتدائي للعقل لا يمكن أن يكون ملاك تقييم

1.الكافي: ج ۸ ص ۲۴ ح ۴، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۴ ص ۴۰۷ ح ۵۸۸۰ ، بحار الأنوار : ج ۷۷ ص ۲۳۶ ح ۱ .

2.راجع : ص ۳۹۷ ح ۶۴۰۲ .

3.راجع : ص ۳۹۷ ح ۶۴۰۳ .

4.البقرة: ۲۱۶ .

5.آل عمران: ۱۵۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 140065
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي