385
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

كما أنّ كلّ من كان أقرب إلى الحضرة الإلهيّة سقي أكثر من كؤوس البلاء، كما جاء في الحديث النبويّ :
ما كَرُمَ عَبدٌ عَلى اللّهِ إِلّا ازدادَ عَلَيهِ البَلاءُ .۱
لهذا السبب نرى أنّ القادة الإلهيّين الكبار واجهوا المحن وذاقوا البلايا أكثر من الآخرين، كما نلاحظ ذلك في الرواية التالية عن الإمام الصادق عليه السلام :
إنَّ أَشَدَّ النّاسِ بَلاءً الأَنبياءُ ثُمَّ الَّذينَ يَلونَهُم ، ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ .۲
كما جاء في حديث آخر :
إِنَّما يَبتَلي اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى عِبادَهُ عَلى قَدرِ مَنازِلِهِم عِندَهُ .۳
بناء على ذلك ، فإنّ الهدف من مصائب الحياة وبلاياها يمكن أن يكون أمران فقد يكون الهدف منها هو العقاب والتأديب والتطهير أحيانا، وقد يكون تنمية المواهب والاستعدادات وتكميل النفوس . ومحن الأولياء هي من القسم الثاني ، لذلك فعندما تلا يزيد بن معاوية الآية التالية في الموقف الّذي جمعه مع الإمام زين العابدين عليه السلام :
«وَ مَا أَصَـبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» . ۴
إشارة إلى أنّ ما نزل بأهل بيت الإمام الحسين عليه السلام عقاب إلهي، أجابه الإمام زين العابدين عليه السلام :
ليست هذه الآية فينا إنّ فينا قول اللّه عز و جل :«مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَـبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا».۵

1.بحارالأنوار: ج ۹۶ ص ۲۸ .

2.الكافي: ج ۲ ص ۲۵۲ .

3.الأمالي للمفيد: ص ۲۴ .

4.الشورى: ۳۰ .

5.الحديد: ۲۲ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
384

وبناءه لا تتنافى مع العدالة والحكمة الإلهيّتين وحسب، بل هي الحكمة بعينها، كما يشير الإمام عليّ عليه السلام إلى ذلك في قوله:
أَيُّها النّاسُ ! إنَّ اللّهَ قَد أعاذَكُم مِن أَن يَجورَ عَلَيكُم ، وَلَم يُعِذكُم مِن أَن يَبتَلِيَكُم .۱
ممّا يجدر ذكره أنّ الاختبار الإلهي ليس الهدف منه الكشف عن الحقيقة المجهولة له أو للآخرين، بل لكي ينمّي مواهب الإنسان الدفينة بإرادته واختياره ، بحيث ينكشف ما في داخله تلقائيّا، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام :
أَلا إنَّ اللّهَ قَد كَشَفَ الخَلقَ كَشفَةً ، لا أَنَّهُ جَهِلَ ما أَخفَوهُ مِن مَصونِ أسرارِهِم ومَكنونِ ضَمائِرِهِم ، وَلكِن لِيَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلاً ، فَيَكونَ الثَّوابُ جَزاءً وَالعِقابُ بَواءً .۲
فروح الإنسان تنصقل وتقوى من خلال المصائب ؛ كجسمه، لهذا روي عن الإمام عليّ عليه السلام ردّا على ما يظنّه بعض الناس من أنّ الحياة في ظلّ الظروف الصعبة والتغذية البسيطة تؤدّي إلى ضعف الجسم وعجزه، قوله:
أَلا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ البَرِّيَّةَ أَصلَبُ عودا ، وَالرَّواتِعَ الخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلودا ، وَالنّابِتاتِ العِذيَةَ أَقوى وَقودا وَأَبطَأ خُمودا .۳
إنّ الهدف من المصائب والمشاكل الّتي يواجهها أهل الإيمان في ظلّ النظام الحكيم الّذي يسود العالم هو تربية المواهب الباطنة وتكاملها، وفي الحقيقة فإنّ اللّه ـ تعالى ـ يغذّي أرواح أوليائه في هذا العالم بالبلاء، كما نرى ذلك في العبارات الجميلة التالية المرويّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
إنَّ اللّهَ لَيُغَذّي عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما تُغَذِّي الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ .۴

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۰۳ .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۴۴ .

3.نهج البلاغة : الكتاب ۴۵ .

4.راجع : ص ۴۲۳ ح ۶۴۸۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 139987
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي