67
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

وعلى هذا الأساس ، فقد رأى أتباع أهل البيت عليهم السلام أنّ أهميّة العدل الإلهي تساوي أهميّة التوحيد ، واعتبروهما أساس الدين ، حتّى أنّ شخصا سأل الإمام الصادق عليه السلام : إنّ أساس الدين التوحيدُ والعدلُ ، وعِلمُهُ كثير ، ولابدّ لعاقلٍ منه ، فاذكُر ما يَسهُلُ الوقوفُ عليه ويتهيّأ حِفُظُه .
فأجاب الإمام عليه السلام مقرّرا كلام السائل :
أَمَّا التَّوحيدُ ، فَأَن لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّكَ ما جازَ عَلَيكَ ، وَأمَّا العَدلُ فَأَن لا تَنسُبَ إِلى خالِقِكَ ما لامَك عَلَيهِ .۱
إنّ هذا الكلام يعني أنّ الموحّد هو الشخص الّذي لا يجوّز على خالقه ما يجوّزه على نفسه باعتباره مخلوقا ، فالمخلوق حادث ، ولكنّ الخالق لا يمكن أن يكون حادثاً ، والمخلوق محتاج ، ولكنّ الخالق لا يمكن أن يكون محتاجا ، وهكذا .
كما يعني الاعتقاد بالعدل الإلهي أن لا تنسب إليه القيام بالأفعال السيّئة الّتي يُلام الإنسان على فعلها ، وأن لا تعتبره ظالما ، وأن لا تبرّر أفعاله بشكل بحيث يعتبره العقل ظالما . بعبارةٍ اُخرى ، فقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام لهشام بن الحكم العدل الإلهي بقوله : «مِنَ العَدلِ ألّا تَتَّهِمَهُ ، وَمِنَ التَّوحيدِ ألّا تَتَوَهَّمَهُ» .۲
أي أنّ الّذي يتّهم اللّه بإجبار الإنسان على القيام بالأعمال القبيحة من خلال تفسيره الخاطئ للقضاء والقدر ، فإنّه في الحقيقة لا يعتبره عادلاً ، حتّى وإن استدلّ على كلامه . وممّا يجدر ذكره أنّ المعتزلة (فرقة من أهل السنّة) كانت تتّفق في العقيدة مع الإمامية بشأن الحُسن والقبح العقليين والعدل الإلهي ، وقد كان اختلافهم مع الأشاعرة في هذا المجال بحيث سُمّي الإمامية والمعتزلة ب «العدلية» أو «أصحاب العدل والتوحيد» . ۳

1.راجع : ص ۵۹ ح ۵۷۲۶ .

2.راجع : ص ۵۱ ح ۵۷۰۳ .

3.راجع : عدل إلهى (بالفارسية) : ص ۲۳ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
66

ومن أقدم الّذين طرحوا مسألة اختيار الإنسان وحرّيته في العهد الاُمويودافعوا عن هذه العقيدة ، رجل من أهل العراق يُدعى معبد الجهني ، وآخر من أهل الشام عُرف باسم غيلان الدمشقي .
وكان هذان الرجلان يُعرفان بالصدق والاستقامة والإيمان . فخرج معبد مع ابن الأشعث وقُتل على يد الحجّاج ، كما قُطعت أطراف غيلان بأمر هشام بن عبدالملك ، ثمّ قُتل شنقا وذلك بعد أن بلغت عقائده وأقواله مسامع هشام .
جاء في كتاب تاريخ علم الكلام لشبلي نعمان : رغم أنّ جميع العوامل والأسباب كانت مهّيأة للاختلافات بين العقائد ، ولكنّها كانت منذ البدء نتيجة طبيعة سياسة أنظمة الحكم ومقتضياتها ، ولمّا كان القتل وسفك الدماء شائعين في عهد الاُمويّين ، فقد كانت النفوس مستعدّة للثورة بطبيعة الحال ، ولكنّ أنصار نظام الحكم كانوا يتذرّعون بالتقدير كلمّا نطق أحد بكلمة شكوى ، فكانوا يسكتونه بأنّ ما يحدث هو مقدّر ومرضي من قبل اللّه ، ولا يصحّ الاعتراض عليه بأيِّ حالٍ من الأحوال (آمنّا بالقدر خيره وشرّه) .
وقد عاش معبد الجهني في عهد الحجّاج ، وكان من التابعين ، وكان شجاعا وصادقا للغاية ، واتّفق ذات يوم أن سأل اُستاذه الحسن البصري : ما مدى صحّة مسألة القضاء والقدر الّتي يطرحها بنو اُميّة؟ فقال : هم أعداء اللّه ، وهم كاذبون . ۱
وطرَحَ أتباعُ أهل البيت عليهم السلام في مقابل هذا التحريف وهذه المؤامرة الخطيرة الّتي كانت تهدّد فلسفة رسالة الأنبياء وأساس الإسلام ، العدلَ الإلهي بمعناه الصحيح إلى جانب التوحيد ، باعتباره أحد اُصول الدين ، بمعنى أنّ إنكار العدل في الحقيقة إنكار للإسلام ، وأنّ الإسلام دون العدالة يعادل الإسلام دون الإسلام نفسه .

1.انسان وسرنوشت (الإنسان والمصير «بالفارسيّة») : ص ۴۴ ـ ۴۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 139991
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي