111
حكم النّبي الأعظم ج1

4 . القوّة المقابلة للعقل

إنّ النصوص الإسلاميّة تطرح للجهل مفهوما رابعا ، وهو ـ خلافا للمعاني السابقة ـ أمر وجوديّ لا عدميّ ، وذلك هو الشعور الخفيّ الذي يقع في مقابل العقل ، وهو بطبيعة الحال ـ شأنه كشأن العقل ـ مخلوق من قبل الباري تعالى ۱ ، وله آثار ومقتضيات تُسمّى ب «جنود الجهل» تقع في مقابل «جنود العقل». ۲ أمّا سبب تسمية هذه القوّة بالجهل فلوقوعها في مقابل العقل تماما ، ولهذه القوّة تسميات اُخرى أيضا مرّ بيانها في مبحث خلق العقل .
وكما جاء في الباب الأوّل من «علامات العقل» فقد اعتبرت جميع أنواع الحسن والجمال الاعتقاديّ والأخلاقيّ والعمليّ ، كالخير ، والعلم ، والمعرفة ، والحكمة ، والإيمان ، والعدل ، والإنصاف ، والاُلفة ، والرحمة ، والمودّة ، والرأفة ، والبركة ، والقناعة والسخاء ، والأمانة ، والشهامة ، والحياء ، والنظافة ، والرجاء ، والوفاء ، والصدق ، والحلم ، والصبر ، والتواضع ، والغنى ، والنشاط ، من جنود العقل .
وفي مقابل هذا اعتبرت جميع القبائح الاعتقاديّة والأخلاقيّة والعمليّة ، كالشرّ والجهل ۳ ، والحمق ، والكفر ، والجور ، والفرقة ، والقسوة ، والقطيعة ، والعداوة ، والبغض ، والغضب ، والمحق ، والحرص ، والبخل ، والخيانة ، والبلادة ، والجلع ، والتهتّك ، والقذر ، واليأس ، والغدر ، والكذب ، والسفه ، والجزع ، والتكبّر ، والفقر ، والكسل ، من جنود الجهل .
والإنسان حرّ في اختيار أيّ واحدة من هاتين القوّتين واتّباعها وتنميتها .

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الأوّل / خلق العقل والجهل) .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الخامس / جنود العقل والجهل) .

3.المراد به الجهل المتفرّع عن الجهل الأصلي ، ويدخل في عداد جنوده ، ويكون في مقابل العلم ، بينما الجهل الأوّل ـ أو الأصلي ـ يكون في مقابل العقل .


حكم النّبي الأعظم ج1
110

2 . الجهل بالمعارف المفيدة

لا ريب في أنّ الإسلام ينظر بعين الاحترام إلى جميع العلوم والمعارف المفيدة ويدعو إلى تعلّمها ، بل ويوجب ذلك فيما إذا كان المجتمع بحاجة إليها ولم يوجد مَن به الكفاية لأدائها. ۱
إلّا أنّ هذا لا يعني بطبيعة الحال أنّ الجهل بكلّ هذه العلوم مذموم بالنسبة للجميع .
وبعبارة اُخرى ، تدخل الآداب ، والصرف ، والنحو ، والمنطق ، والكلام ، والفلسفة ، والرياضيات ، والفيزياء ، والكيمياء ، وسائر العلوم والفنون الاُخرى في خدمة الإنسان ، وتحظى باحترام الدين الإسلاميّ ، بيد أنّه لا يمكن النظر إلى الجهل بكلّ هذه العلوم كمصدر لجميع الشرور ، واعتباره أشدّ المصائب ، وأعضَل الأدواء ، وألدّ الأعداء ، وأكبر صور الإملاق ، وأنّ كلّ من يجهل هذه العلوم أو بعضها هو شرّ الدواب ، وميّت بين الأحياء .

3 . الجهل بالمعارف الضروريّة للإنسان

إنّ المعارف والعلوم التي تهيّئ للإنسان معرفة بدايته وغايته وتكشف له عن سبيل بلوغ الحكمة من وجوده ، تدخل في إطار أهمّ المعارف الضروريّة لحياته .
فالإنسان لابدّ له أن يعرف كيف ظهر إلى الوجود ؟ وما الغاية من خلقه ؟ وكيف له العمل حتّى يصل إلى الحكمة المرجوّة من وجوده ؟ وما مصيره ؟ وما المخاطر التي تهدّده؟
والمعارف التي تتكفّل بالإجابة عن هذه الاستفسارات هيتراث الأنبياء ، هذه المعارف مبدأ لكلّ خير ، وتمهّد السبيل لازدهار العقل العمليّ وجوهر العلم ، والجهل بهذه المعارف يوقع المجتمع الإنساني في أشدّ المصائب والمحن ، ومن الطبيعيّ أنّ تعلّم مثل هذه المعارف لا يجدي نفعا بمفرده ، وإنّما هي ذات فاعليّة فيما لو كبح العقل جماح المفهوم الرابع للجهل ، وهو ما نبيّنه فيما يأتي .

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۲ (المعرفة / القسم الثامن : تحصيل المعرفة / الفصل الخامس : أحكام التعلم / ما لا ينبغي فيه / توضيح حول أحكام التعلّم) .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 226345
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي