201
حكم النّبي الأعظم ج1

ما أروع كلام الإمام عليّ عليه السلام وما أدقّه ! إذ قال :
رُبَّ عالِمٍ قَد قَتَلَهُ جَهلُهُ ، وعِلمُهُ مَعَهُ لا يَنفَعُهُ .۱
إنّ المصير المؤسف للعالِم الذي يهلك من جهله عجيب حقّا ، فعند ما حدّث سعد بن أبي وقّاص رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّةً ، بما جرى له في سفره ، قال له مصوّرا جهل القوم الذين جاء منهم : أتيتك من قومٍ هم وأنعامهم سواء ! فقال له صلى الله عليه و آله :
يا سَعدُ ، ألا اُخبِرُكَ بِأعجَبَ مِن ذلِكَ ؟ قَومٌ عَلِموا ما جَهَلَ هؤلاءِ ثُمَّ جَهَلوا كَجَهلِهِم .۲
إنّ هذا الكلام يعبّر لنا عن مصير العلم في واقعنا المعاصر ، فالعالَم المتحضّر ذو العلم اليوم يعاني من الجهل حقّا ، وهو ضحيّة جهله ! وهكذا فعلم البشريّة يصعد بالانسان الى الفضاء ويصل إلى القمر لكنّه عاجز عن أداء أقلّ دورٍ في حركة الإنسان نحو الكمال المطلق ووعي الإنسانيّة وتكاملها!

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۲ (المعرفة / القسم العاشر / الفصل السادس : علماء السّوء / العالم بلا عمل جاهل : ح ۳۲۴۵) .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۲ (المعرفة / القسم العاشر / الفصل السادس : علماء السّوء / العالم بلا عمل جاهل : ح ۳۲۴۱) .


حكم النّبي الأعظم ج1
200

الحقيقة جوهر العلم وحقيقته .
ودليلنا على أنّ هذا النور هو حقيقة العلم ، وجميع العلوم المتعارفة قشرٌ له ، هو أنّ قيمة العلوم المذكورة مرتبطة به . وجوهر العلم هو الذي يهب العلم قيمة حقيقيّة ، أي يجعله في خدمة الإنسان وتكامله وسعادته ، وبغيره لا يفقد العلم مزاياه وآثاره فحسب ، بل يتحوّل إلى عنصر مضادّ للقيم الإنسانيّة .
وهذا هو المراد مما تقدمت الاشارة إليه من إنّ قيمة جوهر العلم مطلقة ، وقيمة العلوم المتعارفة مشروطة ، وشرطها هو أن تكون في خدمة الإنسان ، ولا يمكنها أن تصبّ في خدمته إذا جُرّدت من جوهر العلم ، بل إنّها ربّما استخدمت ضدّ الإنسانية .
النقطة المهمّة الملفتة للنظر هي أنّ العلم عندما يفقد جوهره وخاصّيّته ، فلا يساوي الجهل فحسب ، بل يصبح أشدّ ضررا منه ؛ إذ يعجّل في حركة الإنسان نحو السقوط والانحطاط .
فإذا فقد العلم جوهره ، فإنّه يُصبح كالدليل الذي يسوق المرء إلى هاوية الضلال ، بدل أن يهديه إلى سواء السبيل ، من هنا كلّما تقدّم العلم ، كان خطره أكبر على المجتمع الإنسانيّ .
إنّ الخطر الكبير الذي يهدّد المجتمع البشري هذا اليوم هو أنّ العلم قد تقدم كثيرا ، بَيْد أنّه فقد جوهره وخاصّيته واتّجاهه السديد ، واستُخدم باتّجاه انحطاط الإنسانيّة وسقوطها .
ويمكن أن ندرك بتأمّلٍ يسيرٍ ، الآفات التي فرضها العلم على المجتمع البشريّ في واقعنا المعاصر ، ونفهم ماذا تجرّع الإنسان من ويلات حين قبضت القوى الكبرى على سلاح العلم ، ونعرف كيف تعاملَ هؤلاء اللصوص ـ الذين استغلّوا نور العلم لسلب الإنسان مادّيّا ومعنويّا ـ بقسوةٍ ، ولا يرحمون أحدا .
وما أجمل ما قاله الشاعر الايراني في القرن السادس «غزنوي» :
لو كان علمك عن طمع فخَف فانه
لصٌّ له ضياء ليختار الحسن

قال برشت في شأن العلوم المعاصرة : «الإنسان المعاصر متنفّر من العلم ؛ لأنّ العلم هو الذي أوجد الدكتاتورية وفرضها على البشريّة ، والعلم هو الذي وسّع رقعة الجوع لأوّل مرّة ، بحيث غدا اثنان ـ من كلّ ثلاثة في العالم ـ جياعا» . ۱
فهل يمكن أن نسمّي وسائل النهب ، والجوع ، والقتل ، والفساد علما !
وهل الذي يسوق المجتمع نحو الفساد والضياع ، هو علم ونور أم هو الجهل والظلمة ؟
وهنا يستبين معنى الكلام النبويّ الدقيق ، إذ قال صلى الله عليه و آله :
إنَّ مِنَ العِلمِ جَهلاً .۲
يثار هنا سؤال هو : كيف يصير العلم جهلاً أليس هذا تناقض في الكلام ؟
إذا تأمّلنا فيه تبيّن لنا أنّه لا تناقض في الكلام ، بل هو كلام دقيق ذو مغزى .
فعندما يفقد العلم جوهره وخاصيّته ، فهو والجهل سواء . ولذا قال الإمام عليّ عليه السلام :
لا تَجعَلوا عِلمَكُم جَهلاً .۳
أي لا تتصرّفوا تصرّفا يُفقد العلم خاصّيّته ، ويسلب منه اسمه الصحيح .
لقد مُني العلم اليوم بهذا المصير المشؤوم بعد فقده جوهره واتّجاهه المستقيم السديد ، فأصبح كالجهل قاتلاً ، مُفسدا ، مدمِّرا ، بل أصبح أشدّ ضررا من الجهل!

1.تاريخ و شناخت اديان (بالفارسية) : ص ۳۴ .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۲ (المعرفة / القسم العاشر / الفصل السادس : علماء السّوء / العالم بلا عمل جاهل : ح ۳۲۳۹) .

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۲ (المعرفة / القسم العاشر / الفصل السادس : علماء السّوء / العالم بلا عمل جاهل : ح ۳۲۴۳) .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 226353
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي