25
حكم النّبي الأعظم ج1

تَسبِقهُم بِالزُّلفِ والقُربَةِ والدَّرَجاتِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ » . 1
كلّ ذلك هو غيض من فيض وقطرة من بحر أقوال تلك الشخصية التي تجسّد فيها العقل . وعلى أيّ حال ، فإنّنا نؤكّد ونصرّ على هذه الحقيقة ، وهي أنّ بين «العلم» و«الإيمان» علاقة وثيقة لا تنفصم عراها من وجهة نظر الدين الذي جاء به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقام بنشره ودعا إليه ، والقرآن الذي هو برنامج السلوك الفردي والاجتماعي ، وأنّ العقلاء والعلماء والواعين هم الذين يؤمنون بالمعارف الإلهية وميراث الأنبياء ومكانتهم السامية :
« وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَ يَهْدِى إِلَى صِرَ طِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» . 2
وأمّا ما قاله البابا حول الجهاد متصوّرا أنّ الإسلام انتشر بين الناس بحدّ السيف ، فإنّما يدلّ على أنّه لا يحيط علما أبدا بحكم «الجهاد» وفلسفته في الإسلام . وسوف نسلّط الضوء على هذه الحقيقة في باب السيرة العملية لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، مستندين إلى الوثائق التاريخية ، وسنوضّح أنّ رسالة النبيّ صلى الله عليه و آله كانت قائمة على أساس الدليل والبرهان إلى جانب الموعظة الحسنة والتعامل النزيه بين الأفكار ، كي تشكّل الأرضية لحضور الحقّ والتعاليم الإلهيّة على مسرح الذهن وحياة الإنسان ، وخلاصه من المهانة وذلّ الجهل والشرك ، وبلوغه ذروة الكرامة والتوحيد .
ونحن لا نريد الآن أن نشير إلى تعاليم المسيحية التي يتمسّكون بها منذ قرون ، وننوّه إلى التناقضات في تعاليم مثل «التثليث» «حفلة ولادة اللّه » «ذهاب المسيح ضحيّة المذنبين» و «العشاء الربّاني» ومساعي بعض المتكلّمين المسيحيّين لتقديم تأويلات وتبريرات عجيبة للخلاص من هذا الظاهر المضحك ؛ ذلك لأنّ ذكرى «محاكم التفتيش» ومحاكمة مفكّرين مثل غاليلو وغيره ، مازالت عالقة في ذاكرة التاريخ .

1.راجع : ص ۱۲۴ ح ۲۶ .

2.سبأ : ۶ .


حكم النّبي الأعظم ج1
24

ويرى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ العقل هو أفضل «ثروة» ، ويعتبر فقدانه أخطر أنواع «الفقر» .
لا فَقرَ أشَدَّ مِنَ الجَهلِ ، ولا مالَ أعوَدُ مِنَ العَقلِ . 1
كما يرى النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ أصدق المسلمين وأكثرهم ثباتا هم الذين يستغلّون العقل أكثر من غيرهم ، ويفكّرون في اُمور الحياة .
ويعتبر النبيّ صلى الله عليه و آله من جهة أنّ أكثر دعامات الأفعال الفردية والاجتماعية للإنسان المؤمن ثباتا هي العقل ، ويقيس من جهة اُخرى مستوى كيفيّة عبادة المؤمنين بمقياس عقولهم :
لِكُلِّ شَيءٍ دِعامَةٌ ودِعامَةُ المُؤمِنِ عَقلُهُ ، فَبِقَدرِ عَقلِهِ تَكونُ عِبادَتُهُ لِرَبِّهِ . 2
ويشدّد على أخذ «حُسن العقل» بنظر الاعتبار عند تقييم الأشخاص وإصدار الأحكام على الناس ، وأن نعلم أنّ اللّه سوف يقيّم أجر الناس على أساس العقل :
إذا بَلَغَكُم عَن رَجُلٍ حُسنُ حالٍ فَانظُروا في حُسنِ عَقلِهِ ، فَإِنَّما يُجازى بِعَقلِهِ . 3
وهو يرى أنّ مدى تمتّع الإنسان بنعم الجنّة كمّا وكيفا يقوم على أساس العقل ، حيث يقول في هذا المجال :
الجَنَّةُ مِئَةُ دَرَجَةٍ ، تِسعٌ وتِسعونَ دَرَجَةً لِأهلِ العقلِ ، ودَرَجَةٌ لِسائِرِ النّاسِ الَّذينَ هُم دونَهُم . 4
وهكذا يحذّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الناس من النزعات الظاهرية وينذرهم من أن يبقوا في إطار القوالب ولا يدركوا المضمون ، ويلفت الأنظار إلى التعقّل لبلوغ «القرب الإلهي» :
يا عَليُّ ، إذَا اكتَسَبَ النّاسُ مِن أنواعِ البِرِّ لِيَتَقَرَّبوا إلى رَبِّنا ، فَاكتَسِب أنتَ أنواعَ العَقلِ

1.راجع : ص ۱۲۲ ح ۱۸ .

2.راجع : ص ۱۲۱ ح ۱۵ .

3.راجع : ص ۱۳۱ ح ۵۲ .

4.راجع : ص ۱۳۱ ح ۵۵ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 226351
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي