119
الفوائد الرجاليّة

وإظهارِ كثير قدرة لهم ، وذكرِ علمهم بمكنونات السماء والأرض ـ ارتفاعاً ، أو مُورِثاً للتهمة سيّما بجهة أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة ، مخلوطين بهم ، مدلّسين .
وبالجملة : الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأُصوليّة أيضاً ، فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غيرَ ذلك وكان عند آخَرَ ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك . فكان منشأ جرحهم بالأُمور المذكورة وجدانَ الرواية الظاهرةِ فيها منهم ، أو ادّعاءَ أرباب المذاهب كونَه منهم أو رواياتهم عنه . وربما كان المنشأ روايةَ المناكير عنه ، إلى غير ذلك . فعلى هذا ربما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأُمور المذكورة . ۱ انتهى .
وأنت خبير بأنّ أمثال تلك الإحتمالات ممّا لا ضير فيه حينما يقولون : «فلان ضعيف» أو «ضعيف الحديث» ونحو ذلك ممّا يوجب عدم الوثوق برواياته ؛ لكونه متّهماً مثل الإخراج من البلد ونحو ذلك ، حثّاً على حفظ أخبار الأئمّة من التبديل والتغيير والزيادة والنقيصة ، وبقائها على صحّتها والإعتماد عليها .
وأمّا نسبة الغلوّ وسائرَ الأديان الباطلة والمذاهب الفاسدة فممّا لا يصحّ صدورها من مسلم إلاّ بعد الثبوت ، ولا يكتفى فيها بمجرّد وجدان الرواية الظاهرة منهم ونحو ذلك ، فضلاً عن مثل هؤلاء الصلحاء والعلماء الآخذين أُصولَهم وفروعَهم من آثار الأئمّة عليهم السلام مع كونهم محتاطين متورّعين غايةَ الورع ، والورعُ الحقيقي كما يمنع المتّصف به عن أخذ ما لايتيقّنه كذا يمنعه عن نسبة ما لايتيقّنها .
وبالجمله : لعلّ ذلك ممّا لا تأمّل فيه .
نعم ، لو قالوا : «فلان غالٍ لنفي السهو» أو لنحوه ، لم يكن بهذا القدح عبرةٌ عند مَن ليس هذا بغلوّ عنده . وأمّا عند الإطلاق كقولهم : «غالٍ» أو «فاسد المذهب» أو نحو ذلك ، فلا وجه للتوهين بمجرّد هذه الإحتمالات الموجبة لرفع الوثوق من

1.فوائد الوحيد البهبهاني : ۳۸ .


الفوائد الرجاليّة
118

وفاسدو العقيدةِ كثيري الروايةِ عنه ونحو ذلك .
وكما أنّ تصحيحهم غير مقصور على العدالة فكذا تضعيفهم غير مقصور على الفسق ، وغير خفيّ ذلك على من تأمّل وتتبّع ، وأنّ كثيراً من أمثال ما ذكر ليس منافياً للعدالة ، فإن عُلم أنّ سبب التضعيف غير الفسق ، فلا يضرّ ذلك التضعيف ، وإن شكّ اقتصر على أنزل المراتب ، ويثمر أيضاً فيما لو قال أحدهما : «ثقة» والآخر : «ضعيف» فإنّه حينئذٍ ليس جرحاً مصادماً للتوثيق إلاّ إذا علم أنّ السبب فيه هو الفسق .
ومنها : قولهم : «ضعيف الحديث» .
ولا دلالة فيه على القدح في الراوي إلاّ التزاماً . وعن والد المجلسي أنّ الغالب في إطلاقاتهم ذلك أنّه يروي عن كلّ أحد . ۱
والحاصل : أنّ العبارتين حالهما كحال قولهم : «ثقة» و«ثقة في الحديث» ودلالة الأخيرتين على المدح أو الذمّ أضعف من دلالة الأُوليين عليهما .
ومنها : قولهم : «كان من الطيّارة» و«من أهل الارتفاع» وأمثالهما .
والمراد ـ على ما صرّح به جمع ـ أنّه كان غالياً .
قال في التعليقة :
واعلم أنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء ـ سيّما القمّيّين منهم وابن الغضائري ـ كانوا يعتقدون للأئمّة عليهم السلام منزلةً خاصّة من الرِفْعة والجلالة ، ومرتبةً معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وماكانوا يجوّزون التعدّيَ عنها ، وكانوا يعدّون التعدّيَ عنها ارتفاعاً وغلوّاً على حسب معتقَدهم ، حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربما جعلوا مطلقَ التفويض ، أو التفويضَ الذي اختلف فيه ، أو المبالغةَ في معجزاتهم ونقل خوارق العادة عنهم ، أو الإغراقَ في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص ،

1.نقله عن الوحيد في فوائده : ۲۸ .

  • نام منبع :
    الفوائد الرجاليّة
    المساعدون :
    رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424ق / 1382ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 56695
الصفحه من 271
طباعه  ارسل الي