195
الفوائد الرجاليّة

ومنها : العالي سنداً ، وهو قليل الواسطة مع الإتّصال .
ويحكى أنّ طلب علوّ الإسناد كان سنّةً عند أكثر السلف ، حتّى كانوا يرحلون ـ أي المشايخ ـ في أقصى البلاد لأجل ذلك . وثمرته واضحة ؛ فإنّه كلّما قلّت الواسطة يبعد الحديث عن احتمال الخلل المتطرّق إلى كلّ راوٍ ؛ فإنّ كلّ واحد من رجال السند إذا لم يكن معصوماً جائزُ الخطأ فكلّما كثرت الوسائط كثرت مظنّة الخطأ وكلّما قلّت ، قلّت .
نعم ، قد يكون طويل السند واجداً لمزيّة مفقودة في العالي سنداً كما لو كانت الوسائط القليلة مجهولة أو متّصفة بأسباب ردّ الخبر ، والطويلة متّصفةً بأسباب قبوله . لكن ذلك أمر خارجي لا مدخليّة له فيما نحن بصدده ، كما أنّ القول بترجيح طول السند مطلقاً ـ نظراً إلى أنّ كثرة البحث تقتضي المشقّة فيعظم الأجر ـ من ذلك القبيل ، بل وأنزلُ .
وللعلوّ أقسام ، أعلاه قرب الإسناد من المعصوم بالنسبة إلى سندٍ آخَرَ طويلٍ ، ثمّ قرب الإسناد من أحد من أئمّة الحديث كالكليني والشيخ والصدوق وأضرابهم ، كما لو كانت الوسائط بين هؤلاء الأئمّة وبين المعصوم في الحديثين متساويةً وكانت الواسطة بيننا وبين تلك الأئمّة في أحدهما أكثرَ ، ثمّ أقدمهما سماعاً فإنّه أعلى من المتأخّر سماعاً وإن اتّفقا في العدد الواقع في الإسناد أو في عدم الواسطة بأن كانا قد رويا عن واحد في زمانين مختلفين لقرب زمانه من المعصوم .
وربما يزاد معنى رابعٌ ، وهو تقدّم وفاة الراوي ؛ فإنّه أعلى من إسنادٍ آخَرَ يساويه في العدد مع تأخّر وفاة من هو في طبقته عنه .
ولا يساعد دليل على اعتبار العلوّين الأخيرين ، ولا سيّما الأخير ، وإن حكي اعتبارهما عن بعض أئمّة الحديث .
ثمّ إنّ اعتبار الثاني أيضاً لأمثالنا خالٍ عن الدليل بعد ثبوت كون الكتب


الفوائد الرجاليّة
194

غريباً من تلك الجهة .
ومنها : المصحَّف ، ولا ينهض بأعبائه إلاّ الحُذّاق من أهل الفنّ .
وذلك قد يكون في السند كتصحيف «مراجم» بالمهملة ثمّ المعجمة ب «مزاحم» بالمعجمة ثمّ المهملة ، و«حريز» بإهمال الأوّل وإعجام الأخير ب «جرير» بعكس ذلك ، ونحو ذلك .
وقد وقع ذلك من العلاّمة كثيراً ، يظهر ذلك من مطابقة كتاب خلاصة الأقوال له وإيضاح الاشتباه من أسماء الرواة له لما بينهما من الإختلاف . وقد نبّه الشيخ تقيّ الدين بن داود على كثير من ذلك .
وقد يكون في المتن ، وهو أيضاً كثير . ومتعلّق التصحيف إمّا البصر أو السمع ، مثال الأوّل قد عرفت وواضح ، وأمّا الثاني فهو ما يقع الإلتباس فيه في مقام السماع لتقارب الحروف في المخرج ، كما أنّ منشأ الإشتباه في الأوّل تقارب الحروف في الكتابة كتصحيف بعضهم «عاصم الأحول» ب «واصل الاحدب» ونحو ذلك .
ثمّ إنّ التصحيف كما يكون في اللفظ قد يكون في المعنى ، كما حكي عن أبي موسى محمّد ابن المفتي العَنَزي أنّه قال : «نحن قوم لنا شرف ، نحن من عنزة ، صلّى إلينا رسول اللّه » . يريد بذلك ما روي من أنّه صلّى إلى عنزة ۱ ، وهي حربة تنصب بين يدي المصلّي ، فتوهّم أنّه صلّى إلى قبيلتهم بني عنزة .
ومن المذكور في الألْسنة أنّ رجلاً كان مسمّى ببشر ، فوجد مرأة مسمّاة بلوّاحة ، فطالبها بتسعة عشر ديناراً أو درهماً ؛ لقوله تعالى : « لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ »۲ لكون اللام للنفع و«على» للضرر والضمير في «عليها» راجع إلى «لوّاحة» . ولو كان له أصل لكان من التصحيفات المعنويّة الغريبة .

1.مقدّمة ابن الصلاح : ۱۷۰ نقل ذلك عن الدارقطني بصيغة البلاغ .

2.المدّثّر (۷۴) : ۲۹ .

  • نام منبع :
    الفوائد الرجاليّة
    المساعدون :
    رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424ق / 1382ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 56637
الصفحه من 271
طباعه  ارسل الي