217
الفوائد الرجاليّة

[ حكم الرواية بالإجازة ]

ثمّ إنّ المشهور بين المحدّثين والأُصوليّين جواز الرواية والعمل بالإجازة بل عن جماعة دعوى الإجماع على ذلك نظراً إلى شذوذ المخالف .
وعن الشافعي في أحد قوليه وجماعةٍ من أصحابه : عدمُ جواز الرواية بها ؛ استناداً إلى أنّ قول المحدّث : «أجزت لك أن تروي عنّي» في معنى : «أجزت لك ما لا يجوز في الشرع» ؛ لأنّه لا يُبيح رواية ما لم يُسمع ، فكان في قوّة «أجزت أن تكذب عليَّ» . ۱
وضعفه ظاهر ؛ لأنّ الإجازة عرفاً في قوّة الإخبار بمرويّاته جملةً فهو كما لو أخبره تفصيلاً ، والإخبار غير متوقّف على التصريح نطقاً كما في القراءة على الشيخ ، مضافاً إلى أنّ الإجازة والرواية بها مشروطتان بتصحيح الخبر من المجيز بوجوده في أصل مصحّح مع بقيّة ما يعتبر فيها ، فلا يتحقّق الكذب ، مضافاً إلى أنّ حصر جواز الرواية فيما سُمع تفصيلاً أوّلُ الكلام ، فهذا الاستدلال يُشبه المصادرةَ .
ثمّ المجوّزون اختلفوا في ترجيح السماع عليها أو بالعكس بين عصر السلف قبل جمع الكتب المعتبرة التي يعوّل عليها ، وبين عصر المتأخّرين ، ففي الأوّل السماع أرجح ؛ لأنّ السلف كانوا يجمعون الحديث من صحف الناس وصدور الرجال فدعت الحاجة إلى السماع خوفاً من التدليس بخلاف ما بعد تدوينها ؛ لأنّ فائدة الرواية حينئذٍ إنّما هي اتّصال سلسلة الإسناد إلى النبيّ تيمّناً وتبرّكاً ، وإلاّ فالحجّة تقوم بما في الكتب ، ويعرف القويّ منها والضعيف من كتب الجرح والتعديل .
ولا يخفى أنّ هذا الوجه إنّما يقتضي الحاجة إلى السماع في العصر الأوّل دون العصر اللاحق لا ترجيحَ السماع في أحدهما ، والإجازةِ في الآخَر ، فما قوّاه في

1.تدريب الراوي : ۱۳۱ .


الفوائد الرجاليّة
216

ولا يُشترط في صحّة الرواية بالسماعة أو القراءة رؤية الراوي للمرويّ عنه ، بل يجوز ولو من وراء الحجاب إذا عرف الصوت أو عرف أنّه الشيخ بالشهادة ، وظاهرهم الاكتفاء في ذلك بإخبار ثقة .
وفيه تأمّل إذا لم يفد القطع .
وعن بعضٍ اشتراط الرؤية ؛ لإمكان المماثلة في الصوت .
وأنت خبير بأنّ المناط إذا كان القطع لا يجري هذا الإحتمال ، وعلى فرض جريانه يجري في الرؤية أيضاً .
وكذا لا يُشترط علم المحدّث بالسامعين ، بل لا يؤثّر منع البعض بعد إسماع الكلّ . نعم ، إذا كان ذلك المنع لتذكّره الخطأَ في الرواية لم يختصّ المنع بذلك البعض ويُقبل قوله فيه .
وثالثها : الإجازة ، مأخوذةً من جواز الماء الذي سقته الماشية ، ونحوِه . ومنه قولهم : استجزته فأجازني : إذا سقاك ماءً لماشيتك أو أرضك . فالطالب للحديث يستجيز العالمَ علمَه أي يطلب إعطاءه له على وجه يحصل به الإصلاح لنفسه كما يحصل للأرض والماشية الإصلاح بالماء فيجيز له . وكثيراً مّا يطلق على العلم اسم الماء ، وعلى النفس اسم الأرض ، وعليه يمكن تنزيل قوله تعالى : «وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ»۱ قولِه تعالى : « وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ »۲ وعلى ذلك يتعدّى الإجازة إلى المفعول بغير حرف ، فيقول : أجزتك مسموعاتي .
وقيل : الإجازة إذن وتسويغ وهو المعروف ، وعليه يقول : أجزت لك روايةَ كذا . وقد يقال على المعنى الثاني «أجزت لك مسموعاتي» بحذف المضاف وعلى وجه المجاز بالحذف .

1.حج (۲۲) : ۵ .

2.الأنبياء (۲۱) : ۳۰ .

  • نام منبع :
    الفوائد الرجاليّة
    المساعدون :
    رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424ق / 1382ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 56604
الصفحه من 271
طباعه  ارسل الي