69
الفوائد الرجاليّة

لأنّ الكَتْب أُخت اللفظ ومعتبر عند الأصحاب في هذه المقامات إجماعاً ـ فلا يتفاوت الأمر بين العلاّمة والكشّي إلاّ بقرب العهد إلى الرواة وبُعده ، وذلك وإن كان يقرِّب احتمال حصول القطع للقريب ، لكن مجرّد ذلك الإحتمال غير قابل لإثبات الفرق كما لا يخفى ، ولاسيّما بعد ملاحظة أنّ الغالب في المعاشرين حصول الظنّ لهم بالعدالة لا القطع ، فما ظنّك بغير المعاشرين ؟ !
اللهمّ إلاّ أن يكون المزكَّى في تالي درجة العصمة ـ مثل سلمان ـ حتّى يحصل القطع بعدالته للمعاشر وغيره . وكونُ كلّ من زكّاه الكشّي أو النجاشي من هذا الباب ممّا لم يدلّ عليه دليل ، بل هو في غاية البُعد ؛ فإنّ الغالب في العادل شيوع عدالته يوماً فيوماً إلى الوصول إلى حدّ التواتر أو الضرورة .
ومقتضى ذلك الإحتمال انعكاس القضيّة ، مضافاً إلى أنّ في صدق الشهادة على الكتابة ألْفَ كلامٍ ، وإلاّ فأدلّة قبول الشهادة لم تفرّق بين الموارد بلزوم اللفظ في بعض المقامات وكفاية الكَتْب في آخَرَ .
والإجماع المدّعى على الإعتبار يحتمل أن يكون لأجل إيراثه الظنَّ المعتبر في المقام ، ولا أقلَّ من كونه تقييديّاً .
وإن بنينا على كونه من الظنون الإجتهاديّة ـ كما هو الحقّ والمحقّق ، وهو القدر المتيقّن في تعديل القدماء من أصحاب الرجال ـ فلا ريب في إيراثه الظنَّ لأمثالنا ، سواء كان من القدماء أو من المتأخّرين .
وممّا ذكرنا يظهر ضعف عدم اكتفاء ذلك الفاضل بتصحيح الغير مستدلاًّ بأنّ التصحيح ليس كالتوثيق ؛ إذ الثاني شهادة على الأُمور المحسوسة ، والأوّل اجتهاد ؛ وذلك لأنّ المراد بالأُمور المحسوسة إن كان أعيانَ الرواة وأشخاصَها ، فذلك موجود في التصحيح إذا كان الحديث مسنداً لا مرسلاً ، وإن كان نفسَ وصف العدالة ، فمضافاً إلى أنّ جملة من أجزاء العدالة ليست من الأُمور الحسّيّة كالأوصاف المرتبطة بالجَنان ، يرد عليه : أن لا فرق بينهما من تلك الجهة إلاّ أنّ في


الفوائد الرجاليّة
68

بخلافه فيما نحن فيه ؛ فإنّ طعن من يكثر الطعن في الرجال كابن الغضائرى لا عبرة به بنفسه مع كونه معارَضاً بمدح كثير في كثير من المواضع ، والطعن من غيره بالنسبة إلى من مدحوه في غاية القلّة ، فتبطل ۱ المقايسة .
ثمّ إنّ التعديل في مقابل الجرح ، والتصحيحَ في مقابل التضعيف . ومن البيِّن أنّ كليهما في الأغلب ممّا أخبروا به اجتهاداً لا روايةً وشهادةً . ومن البيِّن أنّ ذلك الإخبار من أهل الخبرة من أسباب الظنّ ، والمعارضُ للتعديل هو الجرح ، فلابدّ في الأخذ بكلٍّ منهما من ملاحظة عدم المعارض أو ضعفه . وكذا الكلام في التصحيح والتضعيف ؛ فتدبّر .

[ توثيقات المتأخّرين ]

وربما يُسمع من بعض أفاضل المعاصرين عدمُ جواز الاكتفاء بتعديل العلاّمة ومن تأخّر عنه مستدلاًّ بأنّهم ليسوا من أهل الخبرة في هذا الفنّ ، وليس مكتوبهم إلاّ النقل عن الغير ، وعلى فرض عدم النقل فهو ناشٍ من اجتهادهم . ۲
ولكنّك خبير بأنّ هذه المقالة إنّما تتمّ بعد إثبات معاشرة القدماء من أهل الرجال للرواة وحصولِ القطع لهم بعدالتهم بها ، أو إثباتِ وجود القرائن الموجبة لذلك لهم وعدمهما للعلاّمة ونحوه .
هذا إن أوجبنا القطع في صدق مفهوم الشهادة عرفاً . وإن اكتفينا بالظنّ في الصدق في مقام التعديل فكذلك .
فإن بنينا على كون التعديل من باب الشهادة ـ كما اختاره ذاك الفاضل مستدلاًّ بصدق موضوع الشهادة على التوثيق والجرح عرفاً ، سواء كان باللفظ أو بالكَتْب ؛

1.في «ج» : «فبطل» .

2.الرسائل الرجالية (رسالة في تزكية الرواة من أهل الرجال) ۱ : ۴۶۰ .

  • نام منبع :
    الفوائد الرجاليّة
    المساعدون :
    رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424ق / 1382ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 56631
الصفحه من 271
طباعه  ارسل الي