التحفة العلويّة - الصفحه 206

الوجود و الإيجاد» ، فلا ؛ لأنّ المراد إنّما هو القول في أوّل الإيجاد [و] الخلق و قبل الأيس ؛ ۱ فكلّ تشخّص وتجدّد وصنع ولون وقطر وجد بذلك الاسم ، وهو الوجود المطلق قد وجد وبه تأيّس ، فافهم إن كنت تفهم .
أقول : هل سمعت بأنّ ما وراء جسم الكلّ لا خلأ ولا ملأ؟! وهل تصوّرت ذلك لأهل العصمة أنّ معنى ذلك إنّما هو نفي تلك المذكورات عمّا وراءه ؛ على أنّه يمكن التوجيه بوجه آخر ، و هو أنّه قال عليه السلام : «بالشخص غير متجسّد» ، يعني : لم يكن له مشخّصات قبله حتّى يتشخّص به ويتجسّد عليه ؛ إذ كلّ موجود من الموجودات الجزئيّة فإنّما يوجد بعد وجود متمّاته الستّة من الكمّ والكيف والوضع والأين والمتى والجهة ، وله كذلك الوجود المطلق ، لكن فليعلم أنّ كلّ ذلك على لسان الظاهر الذي لايمكن التغيّر عن المرام بأكثر منه ، وإن كنت ممّن تفهم لسان الإشارة و تلويح العبارة ، يعني كنت ذا قوىً فتعلم أنّ الإشكال غير وارد أصلاً ؛ إذ المراد من هذا الاسم المخلوق ـ كما قلنا ـ هو الوجود المطلق العاري عن كلّ قيد و تقيّد ، و هو مثال اللّه الذي لا مثل له ولا شبه ؛ [أ] لا ترى إلى قوله تعالى .
«و بالتشبيه غير موصوف» ؛ لأنّه واحد مطلق ، وهو كذلك لا شبه له ؛ كيف وصفة الواحد المطلق واحد مطلق البتّة ، ولنعم ما قيل :

وفي كلّ شي له آيةتدلّ على أنّه واحد
وكذلك قوله عليه السلام : «و باللون غير مصبوغ ، منفيّ عنه الأقطار ، مبعّد عنه الحدود» ؛ لأنّ جميع ذلك من لوازم الموجودات الجزئيّة المقيّدة ، وأمّا الموجود المطلق العاري عن كلّ قيد ـ حتّى عن قيد الإطلاق ـ فلا ؛ ألا ترى إلى قوله عليه السلام : «محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم» ؛ لأنّ الوهم لا يدرك إلاّ المعاني الجزئيّة ، وهذا الوجود و الموجود ليس بكلّيّ ولا جزئيّ ، ولا كلّ ولا جزء ؛ بل الكلّي به صار كلّيّاً ، والجزئي به صار جزئيّاً ، وكذلك الكلّ وعنهما من القيود والإضافات .
وإن شئت ازدياد البصيرة تقرير المرام على طور آخر نقول : غير خفيّ أنّ لجميع

1.المراد من الأيس في اصطلاح العرفاء والحكماء الوجود في مقابل الليس بمعنى العدم .

الصفحه من 230