أجلّ خصال الخير ، وهو من الخصال العزيزة التي لا يَحصُل بالاكتساب ، وضدّه الوقاحة . وهو في الأصل مصدر حَيِيَ يَحيى حياءً فهو حَيِيٌّ ، وحَيِيَ حَياةً فهو حيٌّ .
والخير والشرّ يُستعملان على معنيين :
أحدهما : إثبات النفع والضَرّ من غير زيادة ولا تفضيل لشيء على شيء ، كقولك : «هذا خيرٌ مِن الخيرات» أي نفع من جملة المنافع .
والثاني : أن يجيء بمعنى التفضيل والزيادة تقول : «هذا خيرٌ من ذلك» أي أجود منه ، و«زيدٌ خير من عمرٍو» أي أفضل منه . والخير في هذا الحديث بمعنى القِسم الأوّل أي : الحياءُ كلُّه خيرٌ ونفع .
۵۶.المَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ . ۱
يقول : إذا كنت تقيّاً فأكثِرِ الجلوس في المسجد ؛ لأنّ بيت اللّه لا يصلح أن يكون مجلساً للماجِن ۲ ، ولا يجوز أن يَجري فيه اللغو والأباطيل ، فالخبر تسليةٌ للمؤمن الذي لا بيت له ، فهو يأوي إلى المساجد ، أو كان له دارٌ فيكون حثّاً له على كثرة الاختلاف إليها والقعود فيها ، وإمّا أن يكون إشارة إلى تعظيم المسجد ؛ فإذا لم يكن المرء تقيّاً لا يمكَّن من جلوسه ، فهو على الدَّوام وإن قعد فليكن على سيرة المتّقين ، وقال النبيُّ صلى الله عليه و آله : «من خرج من بيته إلى المسجد كتب اللّه له بكلّ خطوة يَخطوها عشر حسنات ، والقاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت ، ويُكتب من المصلّين حتّى يرجع إلى بيته»۳ .
والمَفعِل للموضع قياس مطّرد كالمجلس ، واللام في «المسجد» لتعريف العهد الذي يقع عليه هذا الاسم عرفاً وشرعاً دون الوضع والاشتقاق الذي هو موضع السجود ، فالمسجد من الأسماء العالية ، و«البيت» : موضع البيات ، والتّقيّ فعيل وهو
1.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۷۷ و ۷۸ ، ح ۷۲ و ۷۳ ؛ المصنّف ، ج ۱۱ ، ص ۹۷ ؛ المعجم الكبير ، ج ۶ ، ص ۲۵۵ ؛ كنزالعمّال ، ج ۷ ، ص ۵۸ ، ح ۲۰۳۴۹ .
2.الماجِن : الذي لايبالي قولاً ولا فعلاً. العين، ج ۶، ص ۱۵۵ (مجن) .
3.مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۱۵۹ ؛ مسند أبي يعلى ، ج ۳ ، ص ۲۸۶ ، ح ۱۷۴۷ ؛ المعجم الكبير ، ج ۱ ، ص ۲۱۵ ، ح ۵۸۳ ؛ تاريخ بغداد ، ج ۲ ، ص ۲۲۶ .