105
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

أجلّ خصال الخير ، وهو من الخصال العزيزة التي لا يَحصُل بالاكتساب ، وضدّه الوقاحة . وهو في الأصل مصدر حَيِيَ يَحيى حياءً فهو حَيِيٌّ ، وحَيِيَ حَياةً فهو حيٌّ .
والخير والشرّ يُستعملان على معنيين :
أحدهما : إثبات النفع والضَرّ من غير زيادة ولا تفضيل لشيء على شيء ، كقولك : «هذا خيرٌ مِن الخيرات» أي نفع من جملة المنافع .
والثاني : أن يجيء بمعنى التفضيل والزيادة تقول : «هذا خيرٌ من ذلك» أي أجود منه ، و«زيدٌ خير من عمرٍو» أي أفضل منه . والخير في هذا الحديث بمعنى القِسم الأوّل أي : الحياءُ كلُّه خيرٌ ونفع .

۵۶.المَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ . ۱

يقول : إذا كنت تقيّاً فأكثِرِ الجلوس في المسجد ؛ لأنّ بيت اللّه لا يصلح أن يكون مجلساً للماجِن ۲ ، ولا يجوز أن يَجري فيه اللغو والأباطيل ، فالخبر تسليةٌ للمؤمن الذي لا بيت له ، فهو يأوي إلى المساجد ، أو كان له دارٌ فيكون حثّاً له على كثرة الاختلاف إليها والقعود فيها ، وإمّا أن يكون إشارة إلى تعظيم المسجد ؛ فإذا لم يكن المرء تقيّاً لا يمكَّن من جلوسه ، فهو على الدَّوام وإن قعد فليكن على سيرة المتّقين ، وقال النبيُّ صلى الله عليه و آله : «من خرج من بيته إلى المسجد كتب اللّه له بكلّ خطوة يَخطوها عشر حسنات ، والقاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت ، ويُكتب من المصلّين حتّى يرجع إلى بيته»۳ .
والمَفعِل للموضع قياس مطّرد كالمجلس ، واللام في «المسجد» لتعريف العهد الذي يقع عليه هذا الاسم عرفاً وشرعاً دون الوضع والاشتقاق الذي هو موضع السجود ، فالمسجد من الأسماء العالية ، و«البيت» : موضع البيات ، والتّقيّ فعيل وهو

1.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۷۷ و ۷۸ ، ح ۷۲ و ۷۳ ؛ المصنّف ، ج ۱۱ ، ص ۹۷ ؛ المعجم الكبير ، ج ۶ ، ص ۲۵۵ ؛ كنزالعمّال ، ج ۷ ، ص ۵۸ ، ح ۲۰۳۴۹ .

2.الماجِن : الذي لايبالي قولاً ولا فعلاً. العين، ج ۶، ص ۱۵۵ (مجن) .

3.مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۱۵۹ ؛ مسند أبي يعلى ، ج ۳ ، ص ۲۸۶ ، ح ۱۷۴۷ ؛ المعجم الكبير ، ج ۱ ، ص ۲۱۵ ، ح ۵۸۳ ؛ تاريخ بغداد ، ج ۲ ، ص ۲۲۶ .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
104

ذلك وهو : «العمائم تيجان العرب ، فإذا وضعوها وضع اللّه عزّهم»۱ ، وقال صلى الله عليه و آله : «ما بيننا وبين المشركين العمائم على القَلانِس»۲ .
وعن جابر أنّ النبيَّ صلى الله عليه و آله دخل مكّة يوم الفتح ، وعليه عِمامة سوداء تسمّى السحاب ، فأهداها عليّاً عليه السلام ، فقال : الناس : «ما أحسن عليّاً في السحاب» ! وعمّم عليّاً رسول اللّه بيده ، وأرخى طرفيها من ورائه وخلفه ، ثمّ قال له : «أدبرْ» ، فأدبر ، ثمّ قال له : «أقبلْ» ، فأقبل ، ثمّ قال : «هكذا يكون تيجان الملائكة»۳ .
والمعنى الثاني أنّ النبيّ عليه السلام يأمرهم أن لا يغيِّروا زيَّهم وطريقتهم وأن يعمموا ولا يضعوا من استأهل الملِك من العرب التاج على رأسه كما يفعل العجم ؛ فإنّ مَلِكهم كان إذا قعد ۴ على السَّرير يَتَتَوَّج ، والعمامة عند العرب بمنزلة التاج للملك ، وإنّما دعاهم عليه السلام إلى ذلك لئلّا يَجمعوا إلى خُنْزُوانيّهم ۵ خيلاء العجم أيضاً .
وقال الخليل بن أحمد : عُمِّمَ الرَّجُلُ إذا سُوِّد ؛ لأنّ عِمامتهم التاج ، والعِمامة سمّيت بها لأنّها تَعُمُّ جميع الناس ، ويسمّى طويلة أيضاً . ۶

۵۵.الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ . ۷

أي تَحَلُّوا بهذه الخصلة الحميدة ؛ فإنّها من علامة الخير وأماراته ، وهي أشرف خلائق الإنسان ؛ لأنّها سبب لامتناع صاحبه من كبير من المقبَّحات ، و«الحياء»

1.مكارم الأخلاق ، ص ۱۱۹ ؛ الجامع الصغير ، ج ۲ ، ص ۱۹۴ ، ح ۵۷۲۴ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱۵ ، ص ۳۰۵ ، ح ۴۱۱۳۳ .

2.سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۲۶۴ ، ح ۴۰۷۸ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۳ ، ص ۴۵۲ ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج ۵ ، ص ۷۱ ، ح ۴۶۱۴ ؛ الجامع الصغير ، ج ۲ ، ص ۲۱۲ ، ح ۵۸۴۹ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱۵ ، ص ۳۰۶ ، ح ۴۱۱۴۲ .

3.مكارم الأخلاق ، ص ۱۲۰ (مع اختلاف يسير) .

4.في المخطوطة: «قعدوا»، والصواب ما اُثبت.

5.كذا قرأناه، والخنزوانيّة: الكبر. لسان العرب، ج ۵، ص ۳۴۷ (خنز).

6.اُنظر : العين ، ج ۱ ، ص ۹۴ ؛ لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۴۲۵ (عمم) .

7.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۷۵ و ۷۶ ، ح ۶۹ و ۷۰ ؛ مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۴۲۶ و ۴۳۶ و مواضع اُخرى ؛ صحيح مسلم ، ج ۱ ، ص ۴۷ ؛ سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۴۳۶ ، ح ۴۷۹۶ . الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۷۹ ، ح ۵۸۰۰ ؛ معاني الأخبار ، ص ۴۰۹ ، ح ۹۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۱۶۸ ، ح ۱۵۹۷۶ .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    المؤلف :
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 194969
الصفحه من 627
طباعه  ارسل الي