107
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

سكون النفس وهو معنى ، و«النسيان» : انتفاء العلم وليس بمعنى ، ولو كان معنى لكان ضدّاً للعلم كالجهل وكذا السهو ، ولا يجوز البقاء على العِلم ، فما كان من فعلنا نفعله حالاً بعد حالٍ، فإذا لم يُفعل كان نسياناً وسهواً ، وما كان من فعل اللّه فينا فهو بفعله حالاً بعد حالٍ، و«النسيان» : الترك أيضاً ، وأمّا «الحلم» فهو وقار الرجل وهُداه وسكونه وكظمه الغيظ ، وأمّا «السفه» فهو الخفّة وقلّة العقل ؛ قال اللّه تعالى : « وَلَا تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَ لَكُمُ »۱ يعني النساء والصبيان ، وإنّما جعل السَّفَه آفةً للحلم من حيث إنّه ضدّه ؛ لأنّه لا يجتمع الخفَّة والوقار ، وعيب الحلم السفه وهو عرفاً الجهل ، والتكلُّم به ضعف الرأي .
وأمّا «العبادة» فهي التعبُّد ، و«الفَترة» : الضَّعف ، وربّما كان من التواني والتقصير ، فإذا ضَعفُ المتعبِّد أو توانى وتكاسل في العبادة فهو كالآفة لها ، والفِعالة من أبنية الصناعة كأنّه قال : «مَن جعلها عادةً له وكالصناعة التي تشتغل بها في أغلب الأحوال» . و«الشَّجاعة» مصدر ، و«البغي» في اللغة : الطلب ، وصار بالعرف مخصوصاً بطلب ما ليس له أن يطلبه ، والبغي في الشرع: هو الخروج على الإمام العادل ؛ قال اللّه تعالى : « فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا [ عَلَى ]الْأُخْرَى فَقَـتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى »۲ .
والمراد بالبغي في الخبر ما ذكرناه ، ويدخل فيه طلب ما ليس له من قطع الطريق ، والشجاع إذا تطاول من دونه تجبّراً واستكباراً قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً على مذهب الكبر دون التحدّث بالشكر فذلك العمل فيه آفة لشجاعته ، وأمّا الخبر الآخر فمعناه : آفة الجود أن يجود الرجل بماله ثم يمنّ على الآخذ فيكون كما قال : « لَا تُبْطِـلُواْ صَدَقَـتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى » . ۳
و«السَّماحة» في غير هذا الموضع : سهولة الجانب ، والمراد بالسماحة هنا السخاوة والعطيّة ، ۴ يقول : إنّ من يمنّ بصنيعته على الغير ومعروفه ويخبر الناس عن

1.النساء (۴) : ۵ .

2.الحجرات (۴۹) : ۹ .

3.البقرة (۲) : ۲۶۴ .

4.اُنظر : العين ، ج ۳ ، ص ۱۵۵ ؛ لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۴۸۹ (سمح) .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
106

بناء مبالغةٍ في الفاعل ، ولا يجوز أن يُتَّخذ مَبيتاً أو مَقيلاً ، ولا بأس بالاستراحة فيه .

۵۷.آفَةُ الحَدِيثِ الكَذِبُ ، وَآفَةُ العِلْمِ النِّسْيَانُ ، وَآفَةُ الحِلْمِ السَّفَهُ ، وَآفَةُ العِبادَةِ الفَتْرَةُ ، وَآفَةُ الشَّجَاعَةِ البَغْيُ ، وَآفَةُ السَّمَاحَةِ المَنُّ ، وآفَةُ الجَمَالِ الخُيَلَاءُ ، وَآفَةُ الحَسَبِ الفَخْرُ ، وَآفَةُ الظَّرْفِ الصَّلَفُ ۱ ، وَآفَةُ الجُودِ السَّرْفُ ، وَآفَةُ الدِّينِ الهَوى . ۲

يقول : نِعمَ الشيء الحديث الذي يُتحدّث به الناس ؛ لأنّه فائدة مستطرَفة إلّا إذا دخل الكذبُ فيه ، ولا يؤمَن أن يكون المخبَر بخلاف ما يذكره المخبِر فيذهبُ بهاؤه ورونقه ، والسامع لا يطمئنُّ إليه ولا يسكن نفسه إلى قبوله ، وهذا نهي عن الكذب ؛ فإنّه آفة وفسادٌ في الحديث الذي هو زينة للقائل ، وعيب في كلامه الذي يتميّز به من الحيوانات .
و«الآفة» : الفساد ، من قولهم «فلانٌ مَؤُوفٌ» إذا كان فاسد الرأي والعقل .
و«الحديث» هنا فَعيل بمعنى المفعول، أي المحدَّث به ، و«الكذب» خبر يكون مُخبَره بخلاف الخبر ، وكذلك النسيان والسفه والهوى عُثورٌ ۳ للعلم والحلم والدين وفسادٌ لها ، وكذا كلُّ ما اتَّصل بأخواتها آفة تفسدها ، وهذه أحد عشر حديثاً لعلّه قالها في مجلس واحدٍ .
ومعنى الخبر الثاني أنّه أراد : إذا علمتم مسائل شرعيّة في العبادات ونحوه فاعملوا عليها وداوموا على العمل بها والمواظبة على قراءتها وتدرُّسها ؛ فإنَّ ترك الشيء منها والإعراض عن تحفُّظها عيب للعلم ومفسدة له ، و«العلم» : ما اقتضى

1.مسند الشهاب، ج ۱، ص ۷۸ و ۷۹، ح ۷۴ و ۷۵؛ المعجم الكبير، ج ۳، ص ۶۹، ح ۲۶۸۸؛ تاريخ مدينة دمشق، ج ۱۳، ص ۲۵۷؛ الجامع الصغير، ج ۱، ص ۶، ح ۱۰؛ كنز العمّال، ج ۱۶، ص ۱۱۳، ح ۴۴۰۹۱ و ص ۲۱۶، ح ۴۴۲۳۷؛ الفقيه، ج ۴، ص ۳۷۱، ح ۵۷۶۲؛ المحاسن، ج ۱، ص ۱۶؛ التوحيد، ص ۳۷۵، ح ۲۰؛ الخصال، ج ۲، ص ۴۱۶، ح ۷؛ أعلام الدين، ص ۱۶۹؛ تحف العقول، ص ۶ (وفي كلّ المصادر إلّا الأوّل منها ليس بعض الفقرات و فيها مع تقديم وتأخير بين الفقرات).

2.راجع المصادر الخمسة الاُولى السالفة.

3.عُثور: جمع عَثْر، وهو الزلّة والكبوة. راجع لسان العرب (عثر).

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    المؤلف :
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 194970
الصفحه من 627
طباعه  ارسل الي