161
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

فقال : «ما أعددتَ لها؟» قال : ما أعددت لها كثير صلاة وصوم ، إلّا أنّي اُحبّ اللّه ورسوله .
فقال عليه السلام : «المرء مع مَن أحبّ» . ۱
وسئل صلى الله عليه و آله عن الرجل يحبّ قوما هل يلحق بهم ؟ فقال : «المرء مع من أحبَّ» . ۲
وقال الحارث الهمداني لعليّ عليه السلام : إنّي اُحبّكم ، وأخافُ وقت النزع وحالة الممرّ على الصراط .
فقال : «يا حار ، لا تخف ؛ ما من أحدٍ من أوليائي وأعدائي إلّا وهو يراني في هاتين الحالتين» ، ثمّ أنشأ :

أقول للنار حين توقف للعَرضذَريه لا تَقربي الرَّجُلا
ذَريه لا تقربيه إنّ لهحبلاً بحبل الوصيِّ متّصلاً۳
ومورد الخبر الرابع ومعناه مبالغةٌ في جعل تلك الأشياء الثلاثة التي فيه أعنان ما بعدها، كأنّه قال : لا كرم إلّا الدِّين ، ولا مروءة إلّا العقل ، ولا حسب إلّا الخُلق ، والمرء إنّما يكون كريماً ۴ إذا كان ديِّناً ؛ فإنّ أصل الكرم هو الدِّين القويم ، ويكون عاقلاً قد استعمل عقله إذا كان ذو مروّة ؛ فإنّ المروّة ـ وهي الرجولية ـ يدعوه إلى أداء حقّ اللّه ومواساة الناس ؛ فيكتسب ثواب اللّه للآخرة ، ومودّةَ الخلق ومحمدتهم للدنيا ، قد حاز خير الدارين باستعماله العقل .
وأمّا حَسَبُه ـ وهو ما يُحسب ويعدّ من مفاخره أو معايبه ـ فهو على حسب خُلقه ؛ فإن ۵ كان حَسَنَ الخلق يُثنى عليه ، وإن كان سيّئ الخلق يُعاب به عليه .
ومعنى الخبر الأخير : أنّ مِن أشرف خصال المرء المسلم وأجلّها وأحسنها : أن

1.علل الشرائع ، ج ۱ ، ص ۱۳۹ ، ح ۲ ؛ الأمالي للطوسي ، ص ۳۱۲ ، ح ۸۲ ؛ المناقب ، ج ۲، ص ۱۲۳ ؛ مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۳۹۲ ؛ و ج ۳ ، ص ۱۰۴ ؛ سنن الدارمي ، ج ۲ ، ص ۳۲۱ .

2.راجع : تاريخ بغداد ، ج ۱۳ ، ص ۸۶ ؛ تفسير البغوي ، ج ۱ ، ص ۴۵۰ ؛ تفسير أبي السعود ، ج ۲ ، ص ۱۹۹ .

3.راجع : الأمالي للطوسي ، ص ۶۲۷ ، ح ۵ ؛ الأمالي للمفيد ، ص ۷ ، ح ۳ ؛ المناقب ، ج ۳ ، ص ۳۴ ، مسند أحمد ، ج ۳ ، ص ۱۰۴ ؛ صحيح مسلم ، ج ۸ ، ص ۴۳ .

4.في المخطوطة : «كرما» .

5.في المخطوطة : «وإن» ، والظاهر أنه تصحيف .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
160

والخبر حثٌّ على كثرة اتّخاذ ۱ الإخوان في اللّه وإن كان المرء كيِّساً في شأنه ، وكثرة الإخوان معونة على الزمان .
وقال صلى الله عليه و آله : «أكثِر من الإخوان ؛ فإنّ ربّك حييٌّ كريم ، يستحيي أن يعذّب عبده يوم القيامة بين إخوانه» . ۲
والخبر الثاني حثّ على اختيار الخُلّان ؛ فإنّ كلَّ رجل يجري على طريق خليله وعادته . وقيل : معناه : لا تخالّ إلّا من رضيت مذهبه وإن كنت على طريقةٍ حسنةٍ ، ولا تخاطر بنفسك ؛ فإنّ خليلك يغرّك، ويغرُّك بطريقة السيِّئة ولا ينتفع بك .
وقال سفيان بن عيينة حين روى هذا الحديث : انظروا إلى فرعون معه هامان ، انظروا إلى حجَّاج معه يزيد بن أبي مسلمة ينثر ۳ منه ، انظروا إلى سليمان بن عبد الملك صحبه رجاء بن حيوة فقوّمه وسدّده .
وقيل : إنّ الخُلّة مأخوذة من تَخَلَّلِ المودّةِ القلب ويمكنها أمنه، وهي أعلى دَرَج ۴ الإخاء ؛ فالناس في الأصل أجانب ، فإذا تعارفوا وائتلفوا فهم أودّاء ، فإذا تشاكلوا فهم أحبّاء ، فإذا تأكَّدت المحبّة صارت خُلَّة .
وقوله : المرء مع من أحبّ ، [له] معنيان :
أحدهما : أنّ الرَّجل مصاحب مَن آخاه ، لا يفارقه ما استطاع ؛ لأنّ نفْسه لا تُساعده على مفارقته ومخالفته ، [و تريد] مرافقته ، ولو فارقه بشخصه لا يفارقه بقلبه . ۵
والمعنى الثاني : أنّه أراد أنّ كلَّ رجل يُحشر في الآخرة مع من يحبّه ، ويُبعث في مصاحبة من شايعه في الدُّنيا ؛ إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ ، وهذا أولى ؛ لما جاء في الخبر عن أنس : أنّ رجلاً أتى النبيَّ عليه السلام ، فقال : يا رسول اللّه ، متى الساعة؟

1.في المخطوطة : «الاتّخاذ»، والمناسب ما اُثبت.

2.لم نعثر على الخبر إلّا في ضوء الشهاب (المخطوط).

3.نَثَر الشيءَ: دماه متفرّقا، ونَثَر الكلام والولد: أكثره. القاموس المحيط، ج ۱، ص ۶۶۵ (نثر).

4.الدرج: جمع درجة، وهي الطبقات من المراتب. كتاب العين، ج ۶، ص ۷۷ (درج).

5.ورد في ضوء الشهاب (المخطوط).

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    المؤلف :
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 215613
الصفحه من 627
طباعه  ارسل الي