189
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
188

قصّة ارينب

روي أنّ يزيد بن معاوية أيّام حكم والده كان يعشق امرأة اسمها اُرينب (ابنة إسحاق، وزوجة عبد اللّه بن سلّام الذي كان من عمّال معاوية على العراق)، فلمّا بلغ معاوية ذلك، احتال على عبد اللّه بن سلّام ، فاستدعاه ، بعد أن أرسل له رسالة عن طريق أبي هريرة وأبي الدرداء يعلمه فيها أنّه يرغب في تزويجه ابنته . فسُرّ عبد اللّه بسماعه هذا الخبر، وبعث الرجلين أنفسهما لخطبتها .
من جهة اُخرى، طلب معاوية من ابنته أن تشرط في زواجها من عبد اللّه طلاقه لاُرينب، فطلّقها عبداللّه ، فيما امتنعت ابنة معاوية عن تقديم جواب إيجابي للزواج، بحجّة أنّها تحقّق في الموضوع وتسأل عنه. وعندما انقضت عدّة اُرينب بعث معاوية أبا الدرداء لخطبتها.
وفي الطريق، التقى أبو الدرداء بالحسين بن عليّ عليه السلام ، وأخبره القصّة برمّتها، فطلب الحسين عليه السلام أيضا من أبي الدرداء أن يخطب له اُرينبا، فاستجابت اُرينب لطلب الحسين عليه السلام وتزوّجها .
وعندما علم عبد اللّه بن سلام بحيلة معاوية ، توجّه إلى العراق، فالتقى في طريقه بالحسين عليه السلام ، فطلب منه أن يأذن له بالتحدّث مع اُرينب بشأن ثروة كان قد أودعها عندها، فاستجاب الإمام الحسين عليه السلام لطلبه، فجاءها لكي يأخذ منها أمانته، فقال الإمام الحسين عليه السلام عندئذٍ وبمحضر عبداللّه :
إلهي! اُشهِدُكَ أنِنَّي طَلَّقتُ اُرَينَبا ـ ثلاثا ـ ، وأنتَ تَعَلَمُ أِنّي لَم أتَزَوَّجها لِمالٍ أو جَمالٍ ، إنَّما أردتُ أن أحفَظَها لِزَوجِها .
وبعد ذلك تزوّج عبداللّه بها . ۱
وقد ذُكرت هذه القصّة في المصادر التاريخيّة بأشكال اُخرى أيضا، هي و :
أ ـ محور القصّة في أحد النقول هو اُمّ خالد (ابنة أبي جندل ، وزوجة عبد اللّه بن عامر) ، وكان الرسول أبا هريرة ، فيما كان خطّابها : الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام وعبداللّه بن جعفر ويزيد بن معاوية، وقد استجابت لطلب الإمام الحسن عليه السلام . ۲
ب ـ في نقلٍ آخر جعل محور القصّة هند (ابنة سهل بن عمرو، وزوجة عبد اللّه بن عامر بن كريز، والي البصرة)، وذكر أنّ الرسول كان أبا هريرة . ۳
ج ـ وفي رواية ثالثة تدور القصّة حول زينب (ابنة إسحاق، وزوجة عبد اللّه بن سلّام) وكان الرسول أبا الدرداء، فيما كان خاطباها : الإمام الحسين عليه السلام ويزيد . ۴
والمصادر الّتي نقلت هذه القصّة، بأحد الأشكال المشار إليها، حسب التسلسل التاريخي هي :
ـ الإمامة والسياسة، لابن قتيبة الدينوري (213 ـ 276 هـ ) .
ـ الكامل ، لمحمّد بن يزيد المبرّد (م 285 ه ) .
ـ مجمع الأمثال، لأبي الفضل أحمد بن محمّد بن أحمد الميداني (م 518 هـ ) .
ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (538 ه ) .
ـ المناقب لابن شهرآشوب (م 588 ه ) .
ـ نهاية الأرب، لشهاب الدين أحمد بن عبدالوهّاب النوَيري (677 ـ 732 ه ) .
وقد نقد هذا الخبر التاريخي بعض الكتّاب الشيعة ؛ حيث يعتقد عبد الرزّاق الموسوي المُقرّم أنّها اُسطورة اختُلقت لتشويه صورة الإمام الحسين عليه السلام ۵ .
أمّا العلاّمة جعفر مرتضى العاملي ، فقد سجّل ـ بعد بحث الموادّ التاريخيّة ـ تسع ملاحظات نقديّة عليها . ۶
ويمكن القول إجمالاً من خلال الجمع بين المعلومات: إنّ هذه القصّة لا تتمتّع بواقعٍ تاريخي ؛ وذلك للأسباب التالية :
1 . الاختلافات الكثيرة بين أجزاء القصّة، الأمر الذي يجعلها تواجه تشكيكا شديدا ، من قبيل :
أ ـ الاختلاف في اسم المرأة: اُرينب، هند، اُمّ خالد، زينب.
ب ـ الاختلاف في الزوج : عبد اللّه بن سلّام، عبداللّه بن عامر .
ج ـ الاختلاف في الرسول (الواسطة) هل هو أبو الدرداء، أم أبو هريرة .
د ـ الاختلاف في الزوج الجديد : الإمام الحسن عليه السلام ، الإمام الحسين عليه السلام .
2 . إنّ أبا الدرداء ـ الذي ذُكر اسمه في بعض المصادر التاريخيّة على أنّه رسول معاوية في هذه القصّة ـ توفّي في زمان خلافة عثمان (23 ـ 34 ه ) طبقا لبعض النقول التاريخيّة، أو توفّي في إحدى السنوات التالية: 31، 32، 33، 34، 38، 39 من الهجرة . والرأي المشهور في وفاته أنّها كانت في زمان خلافة عثمان، وحتّى لو فرضنا أنّه قد مات عام 39 هـ فلا يمكن ـ أيضا ـ تصديق دوره المذكور في القصّة؛ ذلك أنّ القصّة وقعت على ما يبدو بعد أخذ معاوية البيعة ليزيد، أي عام 49 ه . ۷
ومن جانب آخر، كيف يمكن ليزيد المولود ـ كما قالوا ـ عام 31 أو 27 أو 26 أن يعشق امرأة وهو في سنّ الثانية عشرة من عمره على أقصى التقادير ، بناءً على أنّ أبا الدرداء قد توفّي عام 39 ه ؟! ۸
3 . لم تذكر المصادر التاريخيّة تولّي عبد اللّه بن سلّام حكم العراق من جانب معاوية .موقف الإمام في مواجهة معاوية
وفضلاً عن ذلك، فإنّ اسم عبد اللّه بن سلّام قد جاء في الكتب التاريخيّة لأشخاص ثلاثة، ولد اثنان منهما بعد وقوع هذه الحادثة، والوحيد من بينهم الذي يمكن أن يكون موجودا خلال أيام الحادثة هو عبد اللّه بن سلام اليهودي، إلّا أنّه لا يمكن أن يكون هو المراد أيضا؛ وذلك أنّه توفّي عام 41 أو 43 هـ ، وقد كان في تلك الفترة شيخا عجوزا مسنّا . ۹
4 . ومن جهة اُخرى، فإنّ صيغة الطلاق ثلاثا في مجلس واحد لا تنسجم مع فقه أهل البيت عليهم السلام ؛ فقد ردّ ذلك فقهاء الشيعة بالإجماع . ۱۰
5 . إنّ قصد مختلقي هذه القصّة هو أنّهم يرومون من ورائها أن يصوّروا أسباب ثورة الإمام الحسين عليه السلام ضدّ يزيد بأنّها أسباب ترجع إلى نزاعات جاهليّة، وأنّها في نطاق الشجار الشخصي القائم على الأهواء النفسيّة؛ وذلك كي يقلّلوا من شأنه، فكانت النقول التاريخيّة الضعيفة خير موضع لدسّ مثل هذه المختلقات.
وفضلاً عن ذلك كلّه ، فليس ثمّة مانع شرعي من هذا الزواج على تقدير وقوعه، بل إنّ الإمام الحسين عليه السلام قصد بما أقدم عليه رفع الظلم والجور ، كما صرّح هو بذلك ، على ما تقدّم .

1.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۱۵ ـ ۲۲۳ .

2.مجمع الأمثال للميداني : ج ۲ ص ۴۶ ـ ۴۷ ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج ۴ ص ۳۸ .

3.راجع : ص۱۸۶ ح ۷۶۶ .

4.نهاية الأرب : ج ۶ ص ۱۸۰ .

5.مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : ص ۴۰ و ۴۱ .

6.راجع : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام : ج ۲ ص ۱۵۹ ـ ۱۶۶ .

7.الطبقات الكبرى : ج ۷ ص ۳۹۳ ، اُسد الغابة : ج ۴ ص ۳۰۷ ، الإصابة : ج ۴ ص ۶۲۲ ، الاستيعاب : ج ۳ ص ۳۰۰ .

8.راجع : مروج الذهب : ج ۳ ص ۶۳ وتاريخ الخلفاء : ص ۲۴۵ والبداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۲۶ .

9.الثقات لابن حبّان : ج ۳ ص ۲۲۸ ، اُسد الغابة : ج ۳ ص ۲۶۵ ، الإصابة : ج ۴ ص ۱۰۲ ، تاريخ دمشق : ج ۲۹ ص ۹۸ و ۱۰۱ ، دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام : ج ۲ ص ۱۶۱ و ۱۶۲ وراجع : التاريخ الكبير : ج ۵ ص ۱۸ .

10.راجع : جواهر الكلام : ج ۳۲ ص ۸۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 174499
الصفحه من 411
طباعه  ارسل الي