115
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
114

1 . تحريف الهدف من إقامة العزاء

يعدّ تحريف هدف إقامة العزاء على سيّد الشهداء أهمّ آفاتها. وقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ فلسفة إقامة العزاء على الإمام الحسين هي نفسها فلسفة شهادته عليه السلام ، وبناءً على ذلك فإنّ تحريف الهدف من إقامة العزاء عليه، هو تحريف للهدف من شهادة سيّد الشهداء عليه السلام أيضا .
ويمكن أن يتجلّى هذا التحريف في شكلين :
أحدهما: أن يقتصر الهدف على غفران الذنوب والتزكية الروحية بدلاً من نشر الوعي وإحياء الإسلام الأصيل.
والآخر: أن يتمّ التأكيد على جرائم أتباع يزيد والظالمين في هذه الحادثة بدلاً من التركيز على البُعد الملحمي والحماسي لها .
وهذا لا يعني أنّ غفران الذنوب والتزكية الروحية ليسا من نتائج إقامة شعائر العزاء، أو أنّه لا ينبغي التطرّق إلى جرائم الظالمين، بل إنّ المراد هو تجنّب النظرة التجزيئية ۱ .
وسنسلّط الضوء فيما يلي على هذين الموضوعين :
لو اقتصرت فلسفة إقامة العزاء على سيّد الشهداء على تطهير المذنبين من الذنوب، بدلاً من محو الجهل وإحياء القيم الإسلامية، فهذا تحريف لهدف شهادة الإمام وإقامة العزاء عليه، و سنُبتلى بنفس التحريف الذي حدث في الديانة المسيحية فيما يتعلّق بالسيّد المسيح .
يقول الاُستاذ الشهيد المطهّري في هذا المجال:
أنا لا أعلم من هو المجرم أو المجرمون الذين أنزلوا الجريمة على الحسين بن عليّ بشكل آخر ، وذلك بأن حرّفوا هدف الحسين بن عليّ ، وهي نفس الأباطيل التي قالها المسيحيّون بشأن المسيح، فقد قيل حول الحسين إنّه قُتل كي يتحمّل أعباء ذنوب الاُمّة ، فلقد قُتل الحسين كي نرتكب الذنوب مرتاحي البال، قُتل الحسين لقلّة المذنبين آنذاك، فليزدادوا إذن! . ۲
ويقول الاُستاذ المطهّري حول نوع آخر من تحريف الهدف من إقامة العزاء والبكاء على الإمام الحسين عليه السلام :
لماذا قال الأئمّة الأطهار عليهم السلام ـ بل وردتنا روايات عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله أيضاً ـ : إنّ هذه النهضة يجب أن تبقى حيّة، وينبغي أن لا تُنسى، وعلى الناس أن يبكوا على الإمام الحسين، تُرى ماذا كان هدفهم من هذا الأمر؟ لقد مسخنا ذلك الهدف الحقيقي ، فقلنا : ليكن الأمرُ مقصوراً على مواساة السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام! مع أنّها في الجنّة مع ابنها العظيم، تُظهر الجزعَ دوماً كي نُريق نحن شيئاً من الدموع ونواسيها، فهل هناك إهانة أكبر من هذه للسيّدة الزهراء عليهاالسلام؟! ۳
نحن نتصوّر أنّ الحسين بن عليّ ينتظر في ذلك العالم بكاء الناس عليه أو أن السيّدة الزهراء عليهاالسلامتنتظر ـ والعياذ باللّه ـ بعد ألف وثلاثمئة سنة في جوار الرحمة الإلهية، أن يبكي الناس على سيّد الشهداء كي تخفّف من آلامها!
وقد قرأت قبل بضع سنواتٍ في أحد الكتب مقارنةً قام بها الكاتب بين الحسين بن عليّ وعيسى المسيح، وكتب أنّ عمل المسيحيّين أفضل من عمل المسلمين (الشيعة)؛ ذلك لأنّهم يحتفلون بيوم شهادة عيسى المسيح ويظهرون السرور، وأمّا المسلمون فإنّهم ينشدون المراثي ويبكون في يوم شهادة الحسين بن علي، وهكذا فإنّ عمل اُولئك أفضل من عمل هؤلاء؛ ذلك لأنّهم يعتبرون الشهادة انتصاراً لعيسى المسيح، لا هزيمة، ولذلك فإنّهم يحتفلون بها، وأمّا المسلمون فيعتبرون الشهادة هزيمة ولذلك يبكون عليه! فهنيئاً للاُمّة التي تعتبر الشهادة انتصاراً وتحتفل بها، وتعساً لاُمّة تعتبر الشهادة هزيمة وتنوح بسببها !
والجواب عليه هو : أوّلاً: أنّ احتفال المسيحيين بهذه الشهادة قائمٌ على أساس تلك العقيدة الخرافية التي تقول إنّ عيسى قُتل كي يحطّ عنّا أوزار الذنوب، ولذلك فهم يحتفلون لزعمهم خفّة عب ء الذنوب عنهم! وهي خرافة. ثانياً: إنّ هذا هو الفرق بين الإسلام والمسيحية المحرّفة ؛ فالإسلام دين اجتماعي، والمسيحية دين كلّ مافيه مواعظ أخلاقية. ومن جهة اُخرى فإنّه يمكن النظر إلى الحادثة من وجهة نظر فردية تارة ومن وجهة نظر اجتماعية اُخرى ، وتُعدّ شهادةُ الحسين بن عليّ من وجهة النظر الفردية انتصاراً كما يرى الإسلام . ۴
الجدير بالذكر هو أنّ تحريف الهدف من إقامة مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، والمتمثّل في قصره على التطهّر من الذنوب، والذي يشبه عقيدة المسيحيين الخرافية حول صلب عيسى عليه السلام ؛ لا يعني إلغاء دور إقامة العزاء في غفران الذنوب .
وبعبارة اُخرى ، فإنّ الهدف من إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام هو محو الجهل وإحياء القيم الدينية، وإقامة العزاء بهذا الهدف تستتبع الكثير من البركات للفرد والمجتمع ۵ ؛ والذي يُعتبر غفران الذنوب والتزكية الروحية للبشر إحدى هذه البركات ؛ حيث إنّ هذه البركة بمعناها الدقيق هي باتّجاه إحياء القيم الإسلامية .
ومن جهة اُخرى فإنّنا إذا نظرنا إلى حادثة عاشوراء نظرة عامّة وموضوعية، فإنّنا سنرى أنّها تشتمل على بعدين: أحدهما الجريمة والمظلومية ، والآخر الملحمة والعزّة والعظمة. ولذلك لايمكننا تحليل هذا الحدث وتبيينه بشكل صحيح إلّا إذا نظرنا إليهما وقدّمناهما إلى جانب بعضهما البعض، وإلّا فإنّ المخاطَب سوف لا يُدرك بشكل صحيح هذا الحادث المهمّ في التاريخ الإسلامي .
يقول الاُستاذ المطهّري في هذا المجال:
لحادثة عاشوراء وتاريخ كربلاء وجهان، وجه أبيض ونوراني، ووجه أسود وظلماني ، وكلاهما عديما النظير، أو قليلا النظير.
فأمّا الوجه الأسود والمظلم، فإنّه أسود ومظلم لأنّنا لا نرى فيه سوى الجريمة المنقطعة النظير أو القليلة النظير... .
فمن وجهة النظر هذه، تعدّ حادثة كربلاء جريمة ومأساة، مصيبة ورثاء. وعندما ننظر إلى هذا الوجه نرى فيه قتل الأبرياء وقتل الشاب، وقتل الطفل الرضيع، كما نرى فيه وط ء الخيول بحوافرها أجساد القتلى ، ومنع الماء عن العطاشى ، وضرب النساء والأطفال بالسياط، وحمل الأسرى على الجمال دون هوادج ووطاء . فمن هذه النظرة من هو البطل في هذه الحادثة؟ من الواضح أنّنا عندما ننظر إلى هذا الحدث من بُعد الجريمة، فإنّ من يتحمّل تلك المصائب والجرائم لا يعدّ بطلاً، وإنّما هو مظلوم. وإنّما البطل في هذه النظرة وهذا البعد هو يزيد بن معاوية، وعبيد اللّه بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وخولى ، وعدد آخر . ولذلك فنحن حينما نطالع هذه الصفحة السوداء ، لا نرى فيها سوى الجريمة ورثاء البشرية! فماذا علينا أن نقول إن أردنا أن ننظم الشعر؟ علينا أن ننظم المراثي ، وليس هناك من شيء نقوله سوى نظم المراثي .
علينا أن نقول:
(لا تزال صرخة «العطش» تنطلق من صحراء كربلاء وتصل إلى كوكب العيّوق ۶ ، من أفواه اُولئك العطاشى) . ۷
ولكن هل يقتصر تاريخ عاشوراء على هذا الوجه فقط؟ هل هو رثاء ومصيبة فقط وليس شيئاً آخر؟!هذا هو الخطأ ؛ فإنّ لهذا التاريخ وجهاً آخر أيضاً بطله ليس يزيد بن معاوية، ولا ابن زياد، ولا شمراً ، بل بطله الحسين . ولا وجود للجريمة ولا للمأساة في هذا الوجه، بل فيها الملحمة والفخر والنور ، وتجلّي الحقيقة والإنسانية، وتجلّي العبودية للّه سبحانه . وعندما ننظر إلى هذا الوجه نقول : إنّ من حقّ البشرية أن تفتخر بنفسها ، ولكنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نرى البشريّة تطأطئ رأسها وترى نفسها مصداقاً للآية : «قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ» ! ۸
ومن المسلّم به أنّ جبرئيل لا يتساءل قائلاً : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ» في مقابل قول اللّه تعالى : «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ، ۹ وإنّما الذي يتساءل هو الملائكة التي كانت لا ترى سوى الوجه الأسود للبشرية ، ولم تكن ترى الوجه الآخر ، فأجابها اللّه تعالى : «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» . ۱۰
إنّ تلك الصفحة هي الصفحة التي يعترض بسببها الملائكة ، ويكون فيها البشر مُطَأطِئي الرؤوس . وأمّا هذه الصفحة فهي التي تفتخر بها البشرية .فلماذا يجب أن نطالع حادثة كربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا يجب الحديث عن جرائم كربلاء دوماً؟! ولماذا يجب أن ندرس شخصية الحسين بن عليّ من منظار تعرّضه لجريمة المجرمين دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التي نهتف بها ونكتبها باسم الحسين بن عليّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لا نطالع الصفحة المشرقة من هذه القصّة إلّا قليلاً ، في حين أنّ الجانب الملحمي من هذه القصّة يفوق جانبها الإجرامي بمئات المرّات ، وجانبها المشرق يتغلّب على جانبها المظلم كثيراً؟!إذن علينا أن نعترف أنّنا من الجناة على الحسين بن عليّ ، وذلك أنّنا لا نقرأ من هذا التاريخ سوى صفحةً واحدةً ولا نقرأ الصفحة الاُخرى . ۱۱

1.جدير بالذكر أنّ النظرة التجزيئية لأصل ثورة سيّد الشهداء له تبعات غير محمودة ، لمزيد الاطّلاع راجع : ج۲ ص۳۴۳ (القسم السابع / المدخل : أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام ) .

2.حماسة حسيني (بالفارسيّة) : ج ۱ ص ۱۲۷.

3.المصدر السابق : ص ۷۸ .

4.المصدر السابق : ص ۱۲۸.

5.راجع : ص۲۰۳ (الفصل الرابع / ثواب البكاء عليهم) .

6.العَيّوق : نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثريّا لا يتقدّمه (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۲۸۰ «عوق») .

7.هذه الجملة تعريبُ بيتٍ بالفارسية من ديوان محتشم الكاشاني ، وأصل البيت هو : زان تشنگان هنوز به عَيّوق ميرسدفرياد «اَلعَطَش» ز بيابان كربلا

8.البقرة : ۳۰ .

9.البقرة : ۳۰ .

10.البقرة : ۳۰ .

11.حماسة حسيني (بالفارسيّة) : ج ۱ ص ۱۲۱ - ۱۲۵.

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 267339
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي