نموذج من المراثي الكاذبة من وجهة نظر المحدّث النوري
والآن نلفت الانتباه إلى بعض النماذج من هذه الأكاذيب المختلقة في المراثي والتي ذكرها المحدّث النوري في كتاب اللؤلؤ والمرجان:
1 . ما اُضيف إلى قصّة قدوم الطبيب لعلاج الإمام عليّ عليه السلام وهو على فراش الشهادة
نقل عن حبيب بن عمرو أنّه وفد على أمير المؤمنين عليه السلام بعد إصابته على رأسه الشريف ، وكان الأشراف ورؤساء القبائل وشرطة الخميس ۱ حاضرون عنده، أنّه قال :
وما منهم أحدٌ إلا ودمع عَينيه يترقرق على سوادها حزنا على أمير المؤمنين عليه السلام ، ونظرت إلى أولاده وقد أطرقوا برؤوسهم ، وما تنفّس منهم متنفّسٌ إلّا وظننت أنّ شظايا قلبه تخرج من أنفاسه .
يقول حبيب :
فجمعوا الأطباء ، وجاء أثير بن عمر برئة شاة فنفخها وأدخلها في الجرح ، فلمّا أخرجها رأى عليها أجزاءً من دماغ أمير المؤمنين عليه السلام ، فسأله الحاضرون ، فخرس وتلجلج لسانه .
فعرف الناس ويئسوا فأطرقوا برؤوسهم ، وكانوا يبكون بهدوء لئلّا تسمع النساء، سوى الأصبغ بن نباتة الذي لم يطِق صبراً دون أن شرق بعبرته وبكى بصوت عالٍ ، ففتح الإمام عليه السلام عينيه وبعد كلمات قال حبيب :
فقلت : يا أبا الحسن، لا يهولنّك ما ترى ، وإنّ جرحك غير ضائر فإنّ البرد لا يزيل الجبل الأصمّ ، ونفحة الهَجير لا يُجّفف البحر الخضَمّ ، والصِّلّ يقوى إذا ارتعش ، والليثُ يَضرى إذا خُدِش .
فأجابه الإمام عليه السلام بجواب سمعته اُمّ كلثوم فبكت ، فطلبها عليه السلام ، فدخلت على أبيها ـ ويبدو من هذا النقل أنّها جاءت أمام الجميع ـ وقالت :
أنت شمسُ الطالبيّين ، وقمر الهاشميّين ، دسّاسُ كُثبها المُترصِّد ، وأرقمُ أجمتِها المتفقّد ، عِزُّنا إذا شاهت الوجوه ذلّاً ، جمعنا إذا الموكبُ الكثير قَلّا . إلى آخره .
وللأسف فإنّ هذا الخبر المسجّع المقفّى الذي تسرّ النفس لسماعه، ليس له أصلٌ! ونحن لا نجد شيئاً من هذه الكلمات أبداً في كتاب الثقة الجليل عاصم بن حميد، مع أنّه نقل خبر عمرو ۲ ! كما ذكر أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين ۳ علاجَ أثيرِ بن عمر لأمير المؤمنين دون هذا التفصيل والتعليقات . ۴
1.الشُّرطة : الجند والجمع شُرَط ؛ وهم أعوان السلطان والولاة ، وأوّل كتيبة تشهد الحرب ، وتتهيّأ للموت ، سُمّوا بذلك لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامات يُعرفون بها للأعداء (مجمع البحرين : ج۲ ص۹۴۲) والمراد هنا نُخَبه وأصحابه عليه السلام المتقدّمين على غيرهم من الجند . والخميس : الجيش ، سُمّي به لأنّه مقسوم بخمسة أقسام : المقدّمة والسابقة والميمنة والميسرة والقلب . وقيل : لأنه تُخمّس فيه الغنائم (النهاية : ج۲ ص۷۹) وراجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج۲ ص ۳۱۲ .
2.راجع : الاُصول الستّة عشر (أصل عاصم بن حميد): ص ۱۷۸ ح ۱۴۰.
3.راجع : مقاتل الطالبيين: ص ۵۱.
4.لؤلؤ ومرجان (بالفارسيّة) : ص ۲۶۰.