141
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

أ ـ الجهل

لو علم بعضُ خطباء المنابر أنّ ما يذكرونه للناس لا أساس له لاجتنبوا ذكرهُ بالتأكيد ، إلّا أنّهم يفتقرون إلى المعرفة الصحيحة بتاريخ عاشوراء ، كما أنّهم لا يكلّفون أنفسهم عناءَ التحقيق والبحث، ولهذا تراهم يعمدون إلى توظيف أيّ موضوع يرونه في كتابٍ ما أو يسمعونه من شخصٍ ما ، إذا ما رأوه مثيرا لعواطف الناس ، دون التأمّل في صحّته أو سقمه .
وبناءً على ذلك، فإنّ الخطوة الاُولى لإصلاح وتنقيح الرثاء ، تتمثّل في تعليم الخُطباء وإحياء روح البحث والتحقيق فيهم ، وكذلك إطلاعُهم على ما هو المعتبر من مصادر تاريخ عاشوراء وغير المعتبر منها .

ب ـ الاستغلال السيّئ لِلِسان الحال

إنّ استعمال لسان الحال في الخطابة الحسينيّة ممّا لا إشكال فيه إذا توفّر فيه شرطان ، بل هو في الحقيقة نوعٌ من التوظيف للفنّ والمهارة في ذكر المصيبة :
الأوّل : أن يمتلك خطيب المنبر القدرة على تحديد حال الشخص الذي يريد أن يبيّن لسان حاله ، وهذه القدرة لا تتحقّق إلّا إذا كان الراثي يمتلك المعلومات الكافية عن هدف النهضة الحسينية، وتاريخ عاشوراء، والخصوصيّات الروحية للشخص الذي يريد أن يتحدّث عن حاله .
الشرط الثاني : أن لا ينسب الخطيب كلاماً إلى الإمام الحسين عليه السلام وأهل البيت، بل عليه التصريح بأنّ ما يقوله هو من استنتاجاته .
وللأسف فإنّ الكثير من قرّاء المراثي ينسبون إلى الإمام وأهل بيته بعض القضايا التي صيغت بقالب الشعر دون الالتزام بالشرطين المذكورين ، في حين أنّها لا حقيقة لها . ويبدو أنّ الاستغلال السيّئ للسان الحال في قراءة المراثي هو من أسباب تسرّب الكذب إلى المقاتل المكتوبة .
وعلى سبيل المثال : البيت المعروف المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام :
إن كانَ دينُ مُحَمَّدٍ لَم يَستَقِمإلّا بِقَتلي يا سُيوفُ خُذيني
لا إشكال فيه من ناحية المضمون، إلّا أنّ نسبته إلى الإمام الحسين عليه السلام هي نسبة كاذبة، فإنّه بيتٌ من قصيدةٍ لأحد الشعراء العرب ، ويدعى الشيخ محسن الهويزي المعروف بأبي الحبّ الكبير ، نظمها في رثاء الإمام الحسين عليه السلام وجاء فيها:
أعطَيتُ رَبِّيَ مَوثِقاً لا يَنتَهيإلّا بِقَتلي فَاصعَدي وَذَريني
إن كانَ دينُ مُحَمَّدٍ لَم يَستَقِمإلّا بِقَتلي يا سُيوفُ خُذيني
هذا دَمي فَلتُروَ صادِيَةُ الظُّبامِنهُ وَهذا لِلرِّماحِ وَتيني۱
ومن البديهي أنّ الشاعر نظم هذه الأبيات باعتبارها لسان حال الإمام، إلّا أنّها انتشرت شيئاً فشيئاً باعتبارها من كلام الإمام.
وكذلك، العبارة الشهيرة المنسوبة إليه عليه السلام :
إنَّ الحياةَ عقيدةٌ وجهادُ .
وهذه العبارة هي شطر من بيت نظمه الشاعر المعاصر أحمد شوقي ، ۲ والبيت هو:
قِف دونَ رَأيِكَ فِي الحَياةِ مُجاهِداإنَّ الحَياةَ عَقيدَةٌ وجِهادٌ۳
وممّا يجدر ذكره أنّ هذا البيت كان شعار صحيفة «الجهاد» المصرية . ۴

1.راجع : مستدركات أعيان الشيعة : ج ۳ ص ۱۹۱ .

2.لملاحظة تحقيق علمي في هذا المجال راجع : چشمة خورشيد (مجموعه مقالات) : ج۱ ص۱۸۲ ومقال «پژوهشي دربارة يك شعار معروف : إنّ الحياة . . . ، عناية اللّه مجيدي» (كلاهما بالفارسيّة) .

3.الموسوعة الشوقية (دار الكتاب العربي) : ج ۳ ص ۲۲۸ .

4.الجهاد: اسم جريدة يومية صباحية كان صاحبها محمّد توفيق الديّاب، وصدرت سنة ۱۹۳۱م، وكانت تنطق بلسان حزب الوفد المصري، وطُبعت إلى سنة ۱۹۳۸.


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
140

2. التسامح في أبواب الفضائل والقصص والمصائب

الموضوع الآخر الذي يُعدّ من وجهة نظر المحدّث النوري العامل الرئيسي الثاني في اختلاق الأكاذيب في قراءة المراثي، هو التمسّك بسيرة العلماء القاضية بنقل الروايات الضعيفة في مؤلّفاتهم، والتسامح في قبول الروايات ونقلها في أبواب الفضائل والقصص وخاصّة المصائب .
وبعد إيضاح هذه الشبهة بالتفصيل يكتب قائلاً :
إنّ هذا الكلام ليس سوى مغالطة ، والعلماء النزيهون الذين يسلكون الطرق المستقيمة ويتّبعون موازين العدل ، لا ينقلوا من كتابٍ لا يعرفون صاحبه ، وكذلك من كتابٍ مؤلّفُه لا يبالي في نقل الخبر الضعيف أو لا يُفرّق بين الخبر الضعيف والقوي، ولا يميّز بينهما في النقل . ۱
وعلى أيّ حال، فلا شكّ في أنّ التسامح في نقل الفضائل والقصص والمصائب لا يجيز اختلاق الأكاذيب وإسناد أيّ موضوع ذكر في الأبواب والمواضيع المذكورة في أيّ كتاب، إلى أهل البيت عليهم السلام .

الجذور الأصلية للكذب في قراءة المراثي

يبدو أنّ ما اُشير إليه في تتبّع جذور اختلاق الأكاذيب في قراءة المراثي، هو في الحقيقة ذريعة للمختلقين لا جذوره الأصلية .
ذلك لأنّ من كان له أدنى معلومات دينية يعلم بأدنى تأمّل أنّ الإسلام لا يجيز إعداد الأرضية للبكاء على الإمام الحسين عليه السلام والذي هو مستحبّ، من خلال الكذب الذي هو كبيرة من الكبائر، أو أن ننسب أيّ موضوع مكتوب أو غير مكتوب إلى أهل البيت عليهم السلام دون دراسة وتحقيق.
ونحن نرى أنّ جذور اختلاق الأكاذيب في قراءة المراثي، تتمثّل في اُمور اُخرى تمتدّ جذور هذه المعاذير فيها أيضاً، وهذه الاُمور عبارة عن:

1.راجع : لؤلؤ ومرجان (بالفارسيّة) : ص ۲۷۷ - ۳۰۲.

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 267070
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي