۲۵۸۲.تاريخ الطبري عن موسى بن عامر أبي الأشعر :إنَّ المُختارَ قالَ ذاتَ يَومٍ وهُوَ يُحَدِّثُ جُلَساءَهُ : لَأَقتُلَنَّ غَدا رَجُلاً عَظيمَ القَدَمَينِ ، غائِرَ العَينَينِ ، مُشرِفَ الحاجِبَينِ ، يَسُرُّ مَقتَلُهُ المُؤمِنينَ وَالمَلائِكَةَ المُقَرَّبينَ .
قالَ : وكانَ الهَيثَمُ بنُ الأَسوَدِ النَّخَعِيُّ عِندَ المُختارِ حينَ سَمِعَ هذِهِ المَقالَةَ ، فَوَقَعَ في نَفسِهِ أنَّ الَّذي يُريدُ عُمَرَ بنَ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، فَلَمّا رَجَعَ إلى مَنزِلِهِ دَعَا ابنَهُ العُريانَ ، فَقالَ : اِلقَ ابنَ سَعدٍ اللَّيلَةَ ، فَخَبِّرهُ بِكَذا وكَذا ، وقُل لَهُ : خُذ حِذرَكَ ، فَإِنَّهُ لا يُريدُ غَيرَكَ .
قالَ : فَأَتاهُ فَاستَخلاهُ ، ثُمَّ حَدَّثَهُ الحَديثَ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ : جَزَى اللّه ُ أباكَ وَالإِخاءَ خَيرا ، كَيفَ يُريدُ هذا بي بَعدَ الَّذي أعطاني مِنَ العُهودِ وَالمَواثيقِ ؟
وكانَ المُختارُ أوَّلَ ما ظَهَرَ أحسَنَ شَيءٍ سيرَةً وتَأَلُّفا لِلنّاسِ ، وكانَ عَبدُ اللّه ِ بنُ جَعدَةَ بنِ هُبَيرَةَ أكرَمَ خَلقِ اللّه ِ عَلَى المُختارِ لِقَرابَتِهِ بِعَلِيٍّ ، فَكَلَّمَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ عَبدَ اللّه ِ بنَ جَعدَةَ ، وقالَ لَهُ : إنّي لا آمَنُ هذَا الرَّجُلَ ـ يَعنِي المُختارَ ـ فَخُذ لي مِنهُ أمانا ، فَفَعَلَ ، قالَ : فَأَنَا رَأَيتُ أمانَهُ وقَرَأتُهُ ، وهُوَ :
«بِسمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، هذا أمانٌ مِنَ المُختارِ بنِ أبي عُبَيدٍ لِعُمَرَ بنِ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، إنَّكَ آمِنٌ بِأَمانِ اللّه ِ عَلى نَفسِكَ ومالِكَ وأهلِكَ وأهلِ بَيتِكَ ووُلدِكَ ، لا تُؤاخَذُ بِحَدَثٍ كانَ مِنكَ قَديما ، ما سَمِعتَ وأطَعتَ ولَزِمتَ رَحلَكَ وأهلَكَ ومِصرَكَ ، فَمَن لَقِيَ عُمَرَ بنَ سَعدٍ مِن شُرطَةِ اللّه ِ وشيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ ومِن غَيرِهِم مِنَ النّاسِ ، فَلا يَعرِض لَهُ إلّا بِخَيرٍ» .
شَهِدَ السّائِبُ بنُ مالِكٍ ، وأحمَرُ بنُ شُمَيطٍ ، وعَبدُ اللّه ِ بنُ شَدّادٍ ، وعَبدُ اللّه ِ بنُ كامِلٍ ، وجَعَلَ المُختارُ عَلى نَفسِهِ عَهدَ اللّه ِ وميثاقَهُ لَيَفِيَنَّ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ بِما أعطاهُ مِنَ الأَمانِ ، إلّا أن يُحدِثَ حَدَثا ، وأشهَدَ اللّه َ عَلى نَفسِهِ وكَفى بِاللّه ِ شَهيدا .
قالَ : فَكانَ أبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام يَقولُ : أمّا أمانُ المُختارِ لِعُمَرَ بنِ سَعدٍ إلّا أن يُحدِثَ حَدَثا ، فَإِنَّهُ كانَ يُريدُ بِهِ إذا دَخَلَ الخَلاءَ فَأَحدَثَ .
قالَ : فَلَمّا جاءَهُ العُريانُ بِهذا ، خَرَجَ مِن تَحتِ لَيلَتِهِ حَتّى أتى حَمّامَهُ ، ثُمَّ قالَ في نَفسِهِ : أنزِلُ داري ، فَرَجَعَ فَعَبَرَ الرَّوحاءَ ، ثُمَّ أتى دارَهُ غُدوَةً وقَد أتى حَمّامَهُ ، فَأَخبَرَ مَولىً لَهُ بِما كانَ مِن أمانِهِ وبِما اُريدَ بِهِ ، فَقالَ لَهُ مَولاهُ : وأيُّ حَدَثٍ أعظَمُ مِمّا صَنَعتَ ، إنَّكَ تَرَكتَ رَحلَكَ وأهلَكَ وأقبَلتَ إلى هاهُنا ، اِرجِع إلى رَحلِكَ ، لا تَجعَلَنَّ لِلرَّجُلِ عَلَيكَ سَبيلاً ، فَرَجَعَ إلى مَنزِلِهِ وأتَى المُختارَ بِانِطلاقِهِ ، فَقالَ : كَلّا إنَّ في عُنُقِهِ سِلسِلَةً سَتَرُدَّهُ لَو جَهَدَ أن يَنطَلِقَ مَا استَطاعَ .
قالَ : وأصبَحَ المُختارُ ، فَبَعَثَ إلَيهِ أبا عَمرَةَ وأمَرَهُ أن يَأتِيَهُ بِهِ ، فَجاءَهُ حَتّى دَخَلَ عَلَيهِ ، فَقالَ : أجِبِ الأَميرِ ، فَقامَ عُمَرُ ، فَعَثَرَ في جُبَّةٍ لَهُ ، ويَضرِبُهُ أبو عَمرَةَ بسِيَفِهِ فَقَتَلَهُ ، وجاءَ بِرَأسِهِ في أسفَلِ قَبائِهِ حَتّى وَضَعَهُ بَينَ يَدَيِ المُختارِ .
فَقالَ المُختارُ لِابنِهِ حَفصِ بنِ عُمَرِ بنِ سَعدٍ ، وهُوَ جالِسٌ عِندَهُ : أتَعرِفُ هذَا الرَّأسَ ؟ فَاستَرجَعَ وقالَ : نَعَم ، ولا خَيرَ فِي العَيشِ بَعدَهُ .
قالَ لَهُ المُختارُ : صَدَقتَ ، فَإِنَّكَ لا تَعيشُ بَعدَهُ ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ، وإذا رَأسُهُ مَعَ رَأسِ أبيهِ .
ثُمَّ إنَّ المُختارَ قالَ : هذا بِحُسَينٍ عليه السلام ، وهذا بِعَلِيِّ بنِ حُسَينٍ عليه السلام ولا سَواءَ ، وَاللّه ِ ، لَو قَتَلتُ بِهِ ثَلاثَةَ أرباعِ قُرَيشٍ ما وَفَوا أنمُلَةً مِن أنامِلِهِ . ۱