ثالثا : عهد الإمام الكاظم والإمام الرضا عليهماالسلام و توسيع مراسم العزاء
يعدّ عهد الإمام الكاظم عليه السلام من العهود التي تستحقّ الاهتمام والتأمّل الكبيرين من الناحيتين السياسيّة والثقافيّة ، وفي الحقيقة فإنّ عهد الإمام الكاظم عليه السلام هو عهد وقف فيه الشيعة على أعتاب نهضة شاملة. ولذلك فإنّ تعاليم الإمام الكاظم عليه السلام من شأنها أن تثير الوعي واليقظة .
لقد دعا الإمام عليه السلام المجتمع الشيعي برمّته إلى مواجهة الباطل ومحاربته وذمّ عدم المبالاة بذلك ، ۱ واعتبر حادثة عاشوراء من الناحية العمليّة ثقافة مواجهة الباطل ، وشجّع كسلفه الصالح منشدي المراثي على إنشادها . ۲ والأهمّ من كلّ ذلك أنّ الإمام الكاظم عليه السلام كان يجسّد حزنه منذ بداية محرّم ، وكان يواصله حتّى يوم عاشوراء ، وبذلك فقد أسّس سنّة العزاء في العشرة الاُولى من محرّم ۳ ، وعلّم الشيعة في الحقيقة أدب إقامة العزاء في يوم عاشوراء. وقد أظهر الإمام عليه السلام بهذا الاتّجاه أنّ على المؤمنين أن يتهيّؤوا لاستقبال عاشوراء ، وأن يهتمّوا بهذا الحدث المهمّ قبل حلول ذكراه بعدّة أيام ، ويعيشوه وهم في ذروة الحزن .
وكان الإمام الرضا عليه السلام أيضاً ـ والذي كانت له منزلة ومكانة سامية من الناحية السياسيّة والثقافيّة ، وأدّت مكانته الظاهريّة الرفيعة إلى نفوذ كلامه أكثر ـ يولّي هذا الحدث الأهميّة القصوى ، ويبصّر الشيعة بأهمّية محرّم وعشرته الاُولى ، ويسعى من أجل الترويج لحادثة كربلاء من خلال بيان سيرة أبيه عليه السلام . ۴ وفضلاً عن ذلك، فقد كان يسعى من أجل أن يستغلّ الفرص المختلفة لإحياء ذكرى عاشوراء في أذهان الناس وألسنتهم، فكان يجعل مع الملابس التي كان يهديها للآخرين تربة قبر الإمام الحسين عليه السلام ۵ ، وإذا اُهديت له تربة شمّها وبكى . ۶
ونضيف هنا أنّه خلال عهد هذين الإمامين العظيمين وللأسباب المذكورة ، فإنّ النظام الحاكم ضاعف من ضغوطه على المجتمع الشيعي وتضييق الخناق عليه، وضيّق الأجواء على هذين الإمامين العظيمين وشدّد أجواء الرقابة . وعلى هذا فإنّ من الطبيعي ألّا تكون تعاليم هذين الإمامين بسعة عهد الإمامين السابقين لهما ؛ ولكن يجب التأكيد على أنّ نظام الوكالة ۷ الذي كان تمّ تأسيسه في عصر الأئمّة السابقين، كان قد اتّسع في عهدهما وبأساليب وأدوات خاصّة ، فترك أثرا بالغا في نشر تعاليم الأئمّة عليهم السلام . ومن الطبيعي أنّ العزاء ونظراً لما كان يحظى به من أهمّية في تعاليم الأئمّة عليهم السلام ، يجب ألّا يكون في منأى عنهم، إلّا أنّه وللأسف لم ينعكس ذلك بالشكل المطلوب في المصادر التاريخيّة ، كما حدث لحقائق صادقة كثيرة ؛ نظراً إلى محاربة الحكّام آنذاك لها .
1.قال الإمام الكاظم عليه السلام للفضل بن يونس: أبلغ خيراً، وقل خيراً ولا تكن إمّعة . [قال :] قلت: وما الإمّعة؟ قال: لا تقل : أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس ؛ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: يا أيّها الناس إنّما هما نجدان: نجد خير، ونجد شرّ ، فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير (تحف العقول : ص ۴۱۳) .
2.المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۳۱۹ .
3.راجع : ص ۲۳۶ ( الفصل الرابع / بكاء الإمام الكاظم عليه السلام ) .
4.راجع : ص ۱۵۳ (الفصل الأوّل / إقامة المأتم في العشرة الاُول من محرّم ) .
5.تهذيب الأحكام : ج ۸ ص ۴۰ ح ۱۲۱، المزار المفيد : ص ۱۴۴ ح ۶، كامل الزيارات : ص ۴۶۶ ح ۷۰۷، المزار الكبير : ص ۳۶۲ ح۶ ، بحار الأنوار : ج ۱۰۱ ص ۱۲۴ ح ۲۳ .
6.راجع : ص ۲۳۶ ( الفصل الرابع / بكاء الإمام الرضا عليه السلام ) .
7.راجع: پيشواي صادق (بالفارسية ) : ص ۱۰۷ و مابعدها، سازمان وكالت ( بالفارسية ) : لمحمّد رضا جبّاري .