281
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

المرحلة الخامسة (إقامة العزاء في القرن السادس حتّى التاسع الهجري)

القرن السادس

بدأت المناطق الشيعيّة في إيران والعراق القرن السادس الهجري باستمرار حكم السلاجقة ، وفي هذا العهد كان الفاطميّون الشيعة الإسماعيليّون مايزالون يحكمون مصر. ومع مرور الزمن خفّف السلاجقة من ضغوطهم ، وأظهر الشيعة مراسم العزاء في عاشوراء تدريجيّاً بعد حصولهم على حرّية أكثر. وتدلّ الروايات المختلفة ـ سواءً ما ذكرناه حتّى الآن أو ما جاء بشكل متفرّق في صفحات التاريخ ـ على أنّ الشيعة كانوا يقيمون العزاء على الإمام الحسين عليه السلام من أجل بيان عقائدهم وأفكارهم، وكذلك بهدف إبراز تلك الحادثة باعتبارها رمزاً للمواقف الشيعيّة ، ولم يكفّوا أبداً عن إقامة ذلك العزاء ، وكانوا يستغلّون أيّة فرصة لإقامته سرّاً وعلناً بشكل يتناسب مع نوع أنظمة الحكم، والحرّيات المتاحة لهم، أو الضغوط المفروضة عليهم.
وتعدّ رواية عبد الجليل الرازي القزويني في كتاب النقض في القرن السادس الهجري في غاية الوضوح ، فهو من جهة يجيب على الشبهات ، ويروي من جهة اُخرى إقامة أهل السنّة مراسم العزاء في المناطق المختلفة كي يظهرها على أنّها ظاهرة طبيعيّة إنسانيّة ودينيّة ، كما يتحدّث عن مجالس العزاء لخطيبين معروفين هما (علي بن الحسين الغزنوي وقطب الدين مظفّر أمير عبادي) وأنّ عزاء الإمام الحسين عليه السلام يتجدّد كلّ عام يوم عاشوراء في بغداد مقترنا بالصراخ والعويل . ۱
ونظرا إلى ما حكاه هذا الكتاب من انتشار مراسم العزاء الحسيني في القرن السادس الهجري وسعتها ـ وبوضوح ـ ، فلذا ارتأينا هنا ذكر خلاصة ما جاء فيه حول هذا الموضوع في عدّة فقرات :
إقامة شعائر العزاء في يوم عاشوراء من كلّ سنة ، وإظهار الجزع .
رواية أحداث كربلاء على المنابر وتجدّد مصائب شهداء كربلاء.
لإظهار العزاء يلقي العلماء العمائم عن رؤوسهم ، ويشقّ عامّة الناس جيوبهم ، وتخمش النساء وجوههنّ ويبكين.
التزم الوجهاء والعلماء الكبار من المذهبين الحنفي والشافعي، وعلماؤهما وفقهاؤهما، جيلاً بعد آخر، بسنّة إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام . وللشافعي الذي يعدّ إمام الشافعيّين أشعار كثيرة في رثاء الإمام الحسين عليه السلام وشهداء كربلاء، حيث يقول في مطلع إحدى مراثيه :
أبكي الحسين وأرثي ]منه] جحجاحامن أهل بيت رسول اللّه مصباحا۲
ويقول في قصيدة عزاء اُخرى :
تَأَوّبَ هَمّي والفؤاد كئيبوأرّق نَومي فالرقادُ غريب۳
ولكبار الشافعيّة والحنفيّة، مراثٍ كثيرة في شهداء كربلاء .
وكان الخواجه أبو نصر ماشادة أحد شخصيّات أهل السنّة في إصفهان، يقيم سنويّاً في يوم عاشوراء، مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام مقترنة بالأنين والصراخ .
وكان الخواجه عليّ الغزنوي الحنفيّ ، يقيم هذه الشعائر بحفاوة بالغة في دار الخلافة بغداد .
وكانت مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام تقام سنويّاً في يوم عاشوراء مقترنة بالعويل والنياح ، وكانت شعائر حيّة . فكان مجد الدين المُذكّر الهمداني يقيم مراسم عزاء مفعمة بالحماس في همدان ـ التي كانت معسكر الأتراك السلاجقة ـ حتّى أنّها كانت قد أثارت دهشة أهل قمّ .
وفي نيسابور، كان أبو المعالي نجم الدين أبو القاسم البُزاري الذي كان حنفيّ المذهب يقيم في يوم عاشوراء شعائر العزاء كاملة، وكان يلقي العمامة ، وينثر التراب على رأسه ، وكان بكاؤه وصراخه يتجاوزان الحدّ .
وفي مدينة الريّ التي كانت من أكبر مدن البلاد الإسلاميّة في ذلك العصر ، كان الشيخ أبو الفتوح النصر آبادي والخواجه محمود الحدادي الحنفيّان وآخرون يقيمون مراسم العزاء في خان كوشك والمساجد الكبيرة على الإمام الحسين عليه السلام ويلعنون الظلمة .
ومن جهة اُخرى، كان الخواجه الإمام شرف الأئمّة أبو نصر الهسنجاني يذكر واقعة كربلاء بحضور ومساعدة الاُمراء الأتراك والوجهاء والحنفيّين المعروفين بشكل لا يستطيعه الآخرون .
كما كان الخواجه الإمام أبو منصور الحضرة ـ من علماء الشافعيّة ومن الطراز الأوّل فيهم ـ يقيم مراسم العزاء فيذكر أحداث كربلاء عندما كان قاطنا في الريّ ، وذلك في يوم عاشوراء في مسجد سرهنگ الجامع .
كما أن القاضي عمدة الساوجي الحنفيّ المذهب الذي كان خطيباً معروفاً، حسر عن رأسه وشقّ ثيابه عند ذكر مصيبة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام بنحوٍ لم يُرَ مثله ، وذلك في ساوة وفي المسجد الجامع طغرل وفي محضر عشرين ألف شخص .
وأقام الخواجه تاج شعري النيسابوري في يوم عاشوراء سنة 555 ه . ق مجلس عزاء فخم بإذن القاضي في الجامع العتيق .
مضافا إلى ذلك، فقد كان شهاب المشّاط يقيم مجلس العزاء بحضور نساء الاُمراء الأتراك ، وكان يبدأه كلّ سنة مع حلول شهر محرّم . وكان يروي مقتل عثمان وعليّ عليه السلام في الأيّام الاُولى منه ، ومقتل الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وكان يذكرها بنحو كان يثير مشاعر الحاضرين بشدّة ، فكان الكثير منهم يشقّون جيوبهم وينثرون التراب على رؤوسهم ويحسر العلماء رؤوسهم ، وكانت الحشود تطلق أصواتها بالنياح.
كما نقل بعض الروايات الدالّة على قراءة العلماء للمقتل وذكرهم للمصيبة في المساجد ، وإلقاء العلماء للعمائم عن رؤوسهم ، ونياح النساء والرجال .
واستناداً إلى ما ذكرناه فإنّ إقامة العزاء على الإمام الحسين لم تكن تختصّ بالشيعة، وإنّما كانت شائعة أيضاً بين الفرق الاُخرى ومن بينها الشافعيّة والحنفيّة ، وكان هذا العزاء يقام من قبل علماء مثل: محمّد المنصور والأمير العبّادي، والخواجه علي الغزنوي، وصدر الدين الخجندي، وأبي منصور ماشادة، ومجد الهمداني ، والخواجه أبي نصر الهسنجاني، والشيخ أبي الفضائل المشّاط، وأبي منصور الحضرة وقاضي ساوة ، والخواجه أبي المعالي الجويني.
بالإضافة إلى ذلك فقد وصلتنا روايات اُخرى تدلّ بشكل من الأشكال على استمرار مسيرة رثاء الإمام الحسين عليه السلام وإقامة العزاء عليه في القرن السادس ، وهي كالتالي:
1 . رواية الذهبي إقامة العزاء في بغداد سنة 561 ه . ق ، ۴ في غاية السعة والحماس.
2 . يصرّح الذهبي بأنّ المذهب الشيعي كان قد نشط وانتشر في حوالي عام 590 ه . ق ، وكان الناس قد طلبوا من رضيّ الدين الطالقاني القزويني ـ الخطيب الشهير آنذاك ـ ، أن يلعن يزيد على المنبر في يوم عاشوراء. ووافق على ذلك ابن الجوزي الذي كان بدوره خطيبا ذائع الصيت . ۵
3 . الرواية التي جاء فيها أنّ الناس طلبوا من سبط ابن الجوزي أن يقرأ المقتل ، فاستجاب لهم، وبكى هو نفسه أثناء قراءته للمقتل . علماً أنّ ذلك حدث في زمان الملك الناصر . ۶
4 . ذكرنا سابقاً أنّ الشيعة اشترطوا لنصرة حاكم حلب أن يسمح لهم بإقامة الشعائر ومن جملتها إقامة العزاء علنيّاً . ۷
5 . تحدّث ابن الجوزي في حوادث 529 هـ . ق عن تحرّك جموع حاشدة انطلقت لزيارة مرقدي الإمام عليّ والإمام الحسين عليهماالسلام .
هذا وقد ورد التعبير بعبارة «وظهر التشيّع» في المصادر التاريخيّة لذلك العصر، وهو دالّ على الحركة العلنيّة للشيعة من جهة، وعلى وجود الحرّيات النسبيّة من جهة اُخرى . ۸
6 . عند بيان أحداث سنة 553 هـ . ق وقع الحديث عن ذهاب الخليفة العبّاسي المقتفي لأمر اللّه إلى كربلاء وزيارته المشهد الحسيني . ۹
7 . يروي ابن حجر أنّ الواعظ البلخي (ت 556 هـ . ق) أقام مأتم العزاء على فاطمة عليهاالسلامفي المدرسة النظاميّة ببغداد وأبكى الشيعة ۱۰ ، ومن خلاله يمكننا القول بإقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ـ والذي كان يمثّل ثقافة شائعة ـ بطريق أولى .
8 . الرواية الدالّة على أنّ دولة آل باوند ـ والتي ظهرت في طبرستان بميول شيعيّة واستمرّت حتّى نهاية هذا القرن. وفي عهد حكم السيّد بهاء الدين الحسن بن المهديّ المامطيري ـ بعثت رسالة إلى حاكم الهند، الأمير مهراج ، تدلّ على مدى نفوذ التشيّع وانتشاره وشموله لمناطق العراق والشام والحجاز وبلاد مكّة والمدينة ومدن خراسان والعراق وطبرستان وغيرها . ۱۱ وممّا يجدر ذكره أنّ الشيعة كلّما قويت شوكتهم في مكان ، فإنّ إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام كانت تجري قدر الإمكان كشعيرة دينيّة بشكل طبيعي حتّى وإن كانت في الخفاء. وعليه فمن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك في هذه المناطق .

1.كتاب نقض (بالفارسية) لعبد الجليل القزويني الرازي : ص ۳۷۰ ـ ۳۷۳ .

2.كتاب نقض (بالفارسية) : ص۳۷۰ .

3.راجع : ص ۳۶۷ ح ۲۹۳۳ .

4.سير أعلام النبلاء : ج ۲۰ ص ۴۱۶ : في سنة ۵۶۱ عملت الرافضة مأتم عاشوراء وبالغوا .

5.في سير أعلام النبلاء ـ في ترجمة أبي الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني الشافعي ـ : ظهر التشيّع في زمانه بسبب ابن الصاحب ، فالتمس العامّة منه أن يلعن يزيد على المنبر يوم عاشوراء ، فامتنع، فهمّوا بقتله عدّة مرات ، فلم يغيّر رأيه بسبب ذلك ولم يضعف ، بل سار إلى قزوين ، وأمّا ابن الجوزي فقد مال لذلك (سير أعلام النبلاء : ج ۲۱ ص ۱۹۳، البداية والنهاية : ج ۱۳ ص ۹ نحوه).

6.البداية النهاية : ج ۱۳ ص ۱۹۴ .

7.في البداية والنهاية : فلمّا استقرّت له [أي لصلاح الدين في سنة ۵۷۰] دمشق بحذافيرها نهض إلى حلب مسرعاً؛ لما فيها من التخبيط والتخليط ... فنزل على جبل جوشن، ثمّ نودي في أهل حلب بالحضور في ميدان باب العراق، فاجتمعوا، فأشرف عليهم ابن الملك نور الدين، فتودّد إليهم وتباكى لديهم وحرّضهم على قتال صلاح الدين، وذلك عن إشارة الاُمراء المقدّمين، فأجابه أهل البلد بوجوب طاعته على كلّ أحد، وشرط عليه الروافض منهم أن يعاد الأذان بحيّ على خير العمل، وأن يُذكر في الأسواق، وأن يكون لهم في الجامع الجانب الشرقي، وأن يذكر أسماء الأئمّة الاثني عشر بين يدي الجنائز، وأن يكبّروا على الجنازة خمساً، وأن تكون عقود أنكحتهم إلى الشريف أبي طاهر بن أبي المكارم حمزة بن زاهر الحسيني، فأجيبوا إلى ذلك كلّه، فأُذّن بالجامع وسائر البلد بحيّ على خير العمل (البداية والنهاية : ج ۱۲ ص ۲۸۸) .

8.المنتظم : ج ۱۸ ص ۳۰۲.

9.المنتظم : ج ۱۸ ص ۱۲۵، سير أعلام النبلاء : ج ۲۰ ص ۴۱۰.

10.لسان الميزان : ج ۵ ص ۲۱۸.

11.تاريخ تشيّع (بالفارسية) لرسول جعفريان : ج ۲ ص ۵۱۹ (نقلاً عن تاريخ طبرستان : ص ۱۱۶ ـ ۱۱۸).


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
280
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 235261
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي