۲۵۹۳.تاريخ الطبري عن مسلم بن عبد اللّه الضبابي ـ في حَوادِثِ سَنَةِ سِتٍّ وسِتّينَ ـ :لَمّا خَرَجَ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ وأنَا مَعَهُ حينَ هَزَمَنَا المُختارُ ، وقَتَلَ أهلَ اليَمَنِ بِجَبّانَةَ السَّبيَعِ ، ووَجَّهَ غُلامَهُ زِربِيّاً في طَلَبِ شِمرٍ ، وكانَ مَن قَتلِ شِمرٍ إيّاهُ ما كانَ ، مَضى شِمرٌ حَتّى يَنزِلَ ساتيدَما ۱ ، ثُمَّ مَضى حَتّى يَنزِلَ إلى جانِبِ قَريَةٍ يُقالُ لَهَا : الكَلتانِيَّةُ ۲ عَلى شاطِئِ نَهرٍ إلى جانِبِ تَلٍّ ، ثُمَّ أرسَلَ إلى تِلكَ القَريَةَ ، فَأَخَذَ مِنها علِجا ۳ فَضَرَبَهُ . ثُمَّ قالَ : النَّجاءَ بِكِتابي هذا إلَى مُصعَبِ بنِ الزُّبَيرِ ، وكَتَبَ عُنوانَهُ : لِلأَميرِ مُصعَبِ بنِ الزُّبَيرِ مِن شِمرِ بنِ ذِي الجَوشَنِ .
قالَ : فَمَضَى العِلجُ حَتّى يَدخُلَ قَريَةً فيها بُيوتٌ وفيها أبو عَمرَةَ ، وقَد كانَ المُختارُ بَعَثَهُ في تِلكَ الأَيّامِ إلى تِلكَ القَريَةِ ؛ لِتَكونَ مَسلَحَةً فيما بَينَهُ وبَينَ أهلِ البَصرَةِ ، فَلَقِيَ ذلِكَ العِلجُ عِلجا مِن تِلكَ القَريَةِ ، فَأَقبَلَ يَشكو إلَيهِ ما لَقِيَ مِن شِمرٍ ، فَإِنَّهُ لَقائِمٍ مَعَهُ يُكَلِّمُهُ إذ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِن أصحابِ أبي عَمرَةَ ، فَرَأَى الكِتابَ مَعَ العِلجِ ، وعُنوانُهُ لِمُصعَبٍ مِن شِمرٍ ، فَسَأَلُوا العِلجَ عَن مَكانِهِ الَّذي هُوَ بِهِ فَأَخبَرَهُم ، فَإِذا لَيسَ بَينَهُم وبَينَهُ إلّا ثَلاثَةُ فَراسِخَ ، قالَ : فَأَقبَلوا يَسيرونَ إلَيهِ .
قالَ أبو مِخنَفٍ : فَحَدَّثَني مُسلِمُ بنُ عَبدِ اللّه ِ : وأنَا وَاللّه ِ مَعَ شِمرٍ تِلكَ اللَّيلَةَ ، فَقُلنا : لَو أنَّكَ ارتَحَلتَ بِنا مِن هذَا المَكانِ ، فَإِنّا نَتَخَوَّفُ بِهِ ، فَقالَ : أوَ كُلُّ هذا فَرَقاً ۴ مِنَ الكَذّابِ ! وَاللّه ِ لا أتَحَوَّلُ مِنهُ ثَلاثَةَ أيّامٍ ، مَلَأَ اللّه ُ قُلوبَكُم رُعباً ! قالَ : وكانَ بِذلِكَ المَكانِ الَّذي كُنّا فيهِ دَبىً ۵ كَثيرٌ ، فَوَاللّه ِ ، إنّي لَبَينَ اليَقظانِ وَالنّائِمِ إذ سَمِعتُ وَقَعَ حَوافِرِ الخَيلِ ، فَقُلتُ في نَفسي : هذا صَوتُ الدَّبى ، ثُمَّ إنّي سَمِعتُهُ أشَدَّ مِن ذلِكَ ، فَانتَبَهتُ ومَسَحتُ عَينَيَّ ، وقُلتُ : لا وَاللّه ِ ما هذا بِالدَّبى .
قالَ : وذَهَبتُ لِأَقومَ ، فَإِذا أنَا بِهِم قَد أشرَفوا عَلَينا مِنَ التَّلِّ ، فَكَبَّروا ، ثُمَّ أحاطوا بَأَبياتِنا ، وخَرَجنا نَشتَدُّ عَلى أرجُلِنا ، وتَرَكنا خَيلَنا . قالَ : فَأَمُرُّ عَلى شِمرٍ وأنَّهُ لَمُتَّزِرٍ بِبُردٍ مُحَقَّقٍ ، وكانَ أبرَصَ ، فَكَأَنّي أنظُرُ إلى بَياضِ كَشحَيهِ ۶ مِن فَوقِ البُردِ ، فَإِنَّهُ لَيُطاعِنُهُم بِالرُّمحِ ، قَد أعجَلوهُ أن يَلبِسَ سِلاحَهُ وثِيابَهُ ، فَمَضَينا وتَرَكناهُ .
قالَ : فَما هُوَ إلّا أن أمَعنتُ ساعَةً ، إذ سَمِعتُ : اللّه ُ أكبَرُ ، قَتَلَ اللّه ُ الخَبيثَ .
قالَ أبو مِخنَفٍ : حَدَّثَني المِشرَقِيُّ عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عُبَيدٍ أبِي الكَنودِ : أنَا واَللّه ِ ، صاحِبُ الكِتابِ الَّذي رَأَيتُهُ مَعَ العِلجِ ، وأتَيتُ بِهِ أبا عَمرَةَ ، وأنَا قَتَلتُ شِمرا ، قالَ : قُلتُ : هَل سَمِعتَهُ يَقولُ شَيئاً لَيلَتَئِذٍ ؟ قالَ : نَعَم ، خَرَجَ عَلَينا ، فَطاعَنَنا بِرُمحِهِ ساعَةً ، ثُمَّ ألقى رُمحَهُ ، ثُمَّ دَخَلَ بَيتَهُ ، فَأَخَذَ سَيفَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَينا وهُوَ يَقولُ :
نَبَّهتُمُ لَيثَ عَرينٍ باسِلاجَهما۷مُحَيّاهُ يَدُقُّ الكاهِلا
لَم يُرَ يَوما عَن عَدُوٍّ ناكِلاإلّا كَذا مُقاتِلاً أو قاتِلا
يُبرِحُهُم ضَربا ويُروِي العامِلا . ۸
1.ساتيدما : نهر بقرب أرزن في بلاد الروم ، وكان كسرى أبرويز وجّه إياس بن قبيصة الطائي لقتال الروم بساتيدما (معجم البلدان : ج ۳ ص ۱۶۹) وراجع : الخريطة رقم ۵ في آخر المجلّد ۵ .
2.الكلتانيّة : بفتح الكاف ، وسكون اللام ، والتاء المثناة من فوقها ، وبعد الألف نون مكسورة ، وياء مشدّدة ، هكذا ضبطه أبو يحيى الساجي في تاريخ البصرة في ذكر الأساورة وصحّحه : وهو ما بين السوس والصيمرة أو نحو ذلك ، كذا قال الساجي ، وبهذه القرية قُتل شمر بن ذي الجوشن الضبابي المشارك في قتل الحسين بن عليّ رضي اللّه عنه ، قتله أبو عمرة (معجم البلدان : ج ۴ ص ۴۷۶) وراجع : الخريطة رقم ۵ في آخر المجلّد ۵ .
3.العِلج : الرجل الضخم من كفّار العجم ، وبعض العرب يطلق «العلج» على الكافر مطلقا (المصباح المنير : ص ۴۲۵ «علج») .
4.الفَرَقُ : الخَوفُ والفَزَعُ (النهاية : ج ۳ ص ۴۳۸ «فرق») .
5.الدَّبى : الجرادُ قبل أن يطير (النهاية : ج ۲ ص ۱۰۰ «دبا») .
6.الكَشْح : الخِصر (النهاية : ج ۴ ص ۱۷۵ «كشح») .
7.الجَهْمُ : الوجهُ الغليظ المجتمع السمج (تاج العروس : ج ۱۶ ص ۱۲۳ «جهم») .
8.تاريخ الطبري : ج ۶ ص ۵۲ ، تاريخ دمشق : ج ۲۳ ص ۱۹۰ وراجع : البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۹۶ .