أمّا مقامُ الإثباتِ بأنَّ الشّارعَ المقدّسَ لم يقلْ إلّا ما ذهبَ اليه العقولُ فهو يَبتَني عَلى تمهيدِ مقدّمةٍ جليلةٍ حتّى يتهيّأَ القلوبُ الصافيةُ لقبولِ ما نُبَيِّنُه و هي أنّ الشريعةَ المقدّسةَ الختميّةَ شريعةٌ سهلةٌ سمحةٌ لا يتكلّمُ في جميعِ الأبوابِ المعارفِ الربوبيّةِ إلّا بما عَلِمَه العقولُ بنحو الجمعِ و الإجمالِ. فجميعُ ما يقولُه الشّارعُ الحاكمُ هيَ المفطوراتِ العقليّةَ الّتي فَطَرَ اللَّهُ عليها العقولَ كما قال عليٌّ عليه السلام: لِيُثيروا لهم دفائِنَ العقولِ بل أمّهاتِ نواهِيه و مفاتيحِ أحكامِه مِن المسائِل الأصوليّةِ الإصطلاحية۱ مَطابقٌ مَع معارفه؛ في أنّها كلّها مفصّلاتُ العلومِ و علومُها الجمعيّةُ الجمليّةُ مكنونة في العقولِ و مكمونة فيها. فهو المنبّه عليها و مخرجها من الجمعيّةِ إلى التفصيلِ و لذلك صارَ ديانةُ الإسلامِ ديناً قيّماً فِطرةَ اللَّهِ الّتي فطرَ الناسَ عليها إلى قوله ذلك الدّينُ القيّمُ. و هذا معنىَ الحنيفيّةِ السهلةِ السمحةِ و الملّةِ الإبراهيميّةِ كما ينادى بذلك أخبار الفطرة و الحنيفيّة و آياتهما. فهو لا يُوردُ على العقولِ ما لم يكن مكنوناً فيهم و مكموناً مدفوناً في أعماقهم و بواطنهم حتّى يشقَّ الأمرُ عليهم بل هو دائماً يُورِدُ عَلى قلوبِ جميعِ العقلاءِ حتَّى العرب المِعْدانيّ ما هو مكنونٌ فيهم بطريقِ الجمع و الإجمالِ و ينبّهُهُم عليها بالتّفصيلِ و لا بدَّ أن تكونَ الشريعةُ الإلهيّةُ هكذا و إلّا لما كان إلهيّاً و لما كان سهلةً سمحةً و لكان الدّعوةُ الى الفطرةِ في الآيات و الأخبار غلطاً فهو في أبواب المعارف يُنَبِّهُ عَلى المفطوراتِ و كذا في أبوابِ فقهه و فقه فقهه. و لا يتكلّم في جميع هذه المراحل بما يتخصّص في فهمه شيخُ الرئيس و صدرُ المتألّهين و اضرابُهما. كيف و الشريعةُ عامّةٌ لكلِّ أحدٍ و في كلّ زمانٍ إلى يوم القيامة. فلا يُعقلُ أن يكونَ معارفُها و أحكامُها من المستقلّات و التعبّديّات مؤسّسةً عَلى أمورٍ
1.اين عبارت دست خطّ خود آن مرحوم است كه به متن تقريرات افزودهاند.