كلمة موجزة حول حديث «أصحابي كالنجوم»

بقلم: عبد الله السامرّائي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
وبعد: فإنّ التكلّم على الأحاديث والحكم عليها أمر عظيم عند أهل الحديث، وليس هيّناً ـ كما يحسبه بعض الناس ممّن ينتمي إلى العلم ـ إذ تراهم يحكمون على بعض الأحاديث بأحكام لا تمتّ إلى الصواب بصلة، ولا توافق الموازين العلميَّة المقرّرة، وهذا ممّا تورّط فيه بعض من لم يُحْكِم مبادئ علم الحديث والمصطلح.
وقد يُتَراءَ ى في بادئ النظر أنّ الحقّ معهم، لكن سرعانَ ما ينكشف زيفه.
وآفة هؤلاء أنّهم يُسارعون إلى إبطال الحديث والحكم عليه بالوضع والاختلاق بمجرّد الوقوف على بعض طرقه، والاطّلاع على كلام من رُوي الحديث
من جهته فيه، فيخيّل لهم أن ذلك الحديث باطل في نفس الأمر، من دون تدبُّر وإمعان واستقصاء لمتونه وطرقه، كما اتّفق ذلك لكاتبين مُعاصرين أعزّهما الله تعالى ـ في حديث (أصحابي كالنجوم) حيث كتب كلٌّ منهما مقالاً في هذا الباب، وأبطلا الحديث بألفاظه وأسانيده المرويّة من طرق العامّة.
وقد نشرت المقالة الاُولى في جزء عام 1396هـ وصدر عن مجمع الذخائر الإسلامية بقم ونشرت الثانية في العدد الأوّل من مجلة (علوم حديث) الفارسية.
وترى الكاتبين قد استفرغا وسعهما في مقالتيهما لإبطال حديث (أصحابي كالنجوم) لكنّهما لم يبذلا جهدهما في البحث عنه في كتب أصحابنا الإماميّة الحديثية، ولا أبديا له ـ على فرض ثبوته ـ تأويلاً سائغاً.
هذا، مع أنّهما أوّل من تنالهما سهام الناقدين من مخالفيهم وخصومهم، إذ يطعنون عليهما بثبوته في اُصولهم الحديثية، فلذلك أتى بحثهما في هذا الحديث ناقصاً، بل مندكّ الأساس، خاوي الاُصول، لأنّ على الباحث الموضوعي أن يلُمّ بأطراف بحثه من جميع الجوانب.
فإذا كان الحديث قد ورد من طريق الإماميّة، فلا بدّ من نقده وبيان حاله أوّلاً ـ إن كان قابلاً لذلك ـ ثمّ الخوض في منازلة الخصم ومناقشته، وإلّا فلا مناص من الاذعان به والبخوع له، وهذه سيرة جهابذة المحقّقين من سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ومقتضى أدب البحث والمناظرة، لكن أكثر الكتّاب في هذا المجال من المتأخرين قد ذهلوا عن ذلك ـ والعصمة لأهلها ـ .
إذا تبيّن لك هذا، فاعلم أنّ حديث (أصحابي كالنجوم) أخرجه الإمام الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسن الصفّار القمّي رضي الله عنه في كتابه (بصائر الدرجات) ۱
قال: حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار، عن جعفر عليه السّلام ، عن أبيه عليه السّلام : أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم قال: ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لازم ۲ ، لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله وكانت فيه سُنّة منّي فلا عذر لكم في ترك سُنّتي، وما لم يكن فيه سُنّة منّي فما قال أصحابي فخذوه ۳ ، فإنّما مَثَل أصحابي فيكم كمَثَل النجوم فبأيّها أُخِذَ اهتدي، وبأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. قيل: يا رسول الله، ومَن أصحابك؟ قال: أهل بيتي.
وأخرجه الصدوق أبو جعفر بن بابويه القميّ رحمه الله تعالى في كتابه (معاني الأخبار) ۴ قال: حدّثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار ـ وذكره بتمامه ـ .
ثم علّق عليه بقوله: إنّ أهل البيت عليهم السّلام لا يختلفون، ولكن يفتون الشيعة بِمُرّ الحقّ، وربّما أفتوهم بالتقيّة، فما يختلف من قولهم فهو للتقيّة، والتقيّة رحمة للشيعة ۵ .
فهذا الحديث صريح في أنّ المراد بأصحابه صلّى الله عليه و آله و سلّم المذكورين فيه هم أهل البيت الكرام عليهم الصلاة والسلام.
وليس هذا الحديثُ وتفسيرهُ وارداً عن الإمام عليه السّلام مورد التقيّة ـ كما لا يخفى ـ .
فهو إذن ـ وإن لم يكن صحيح الإسناد أو حسنه على حسب اصطلاح المتأخرين ـ لكنّه صالح للاحتجاج به في المناقب والفضائل بلا شبهة، كما هو مقرّر في محلّه.
وله شاهد رواه أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الرواجني في أصله ۶ ، عن أبي المقدام عمرو بن ثابت عن أبي جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : نجوم في السماء أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت نجوم السماء أتى أهل السماء ما يكرهون، ونجوم من أهل بيتي من ولدي أحد عشر نجماً أمان في الأرض لأهل الأرض أن تميد بأهلها، فإذا ذهبت نجوم أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يكرهون.
هذا، ولو فُرض أنّه لم يُبيَّن المراد بأصحابه صلّى الله عليه و آله و سلّم ـ كما في حديث (أصحابي كالنجوم عند العامّة ـ لكان ينبغي حمله على من اقتفى أثر النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم واتّبع هديه وسنّته من الصحابة، كسلمان وأبي ذرّ وعمّار والمقداد وحذيفة وأضرابهم، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، لا الصحابة برمّتهم حتّى من نافَقَ منهم أو ارتدّ عن الحقّ ـ والعياذ بالله ـ فإنّ الحصى خير من هؤلاء، فضلاً عن كونهم نجوماً للاهتداء.
وكان يندفع بهذا ما أُعِلَّ به متن الحديث من مخالفته لواقع حال جمعٍ من الصحابة، وفيهم من ركب رأس العظائم والموبقات، وغيره من الإيرادات المذكورة في المقام.
ولو أنّ هذين الفاضلين الكاتبين تنبَّها لهذا الأمر ولم يقتصرا على ظاهر لفظ الحديث لما بادرا إلى إنكاره وردّه، بل وجدا شاهد هذا الجمع فيما أخرجه أبو جعفر الصدوق بن بابويه رحمه الله تعالى في كتابه (عيون أخبارالرضا عليه السّلام ) ۷ قال: حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي، قال: حدّثني محمّد بن يحيى الصولي، قال: حدّثني محمد بن موسى بن نصر الرازي، قال: حدّثني أبي، قال: سُئل الرضا عليه السّلام عن قول النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم : أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم، وعن قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : دعوا لي أصحابي.
فقال عليه السّلام : هذا صحيح، يريد مَن لم يغيّر بعده ولم يبدّل (الحديث).
وهؤلاء الذين ذكرناهم من الصحابة وغيرهم من إخوانهم ممّن لم يغيّروا ولم يبدّلوا بعد النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم بالاتّفاق.
وبالجملة: فممّا ينبغي أن يتنبّه له كلّ باحثٍ بحزم، وحاكمٍ على الأحاديث بجزم، هو أن يجمع أحاديث كل باب بأسانيدها ومتونها قبل الحكم عليها، فإنّه قد يتبيّن له بذلك ما لم يكن ظاهراً له من قبل ويكون حكمه أقرب للصواب، كيف لا و (الشاهد يرى ما لا يرى الغائب).
والحمد لله تعالى حقّ حمده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ من بعده، وعلى آله وصحبه وجنده.

1.بصائر الدرجات ص۱۱ ح۲.

2.وفي معاني الأخبار ص۱۵۶ : فالعمل لكم به.

3.وفي معاني الأخبار ص۱۵۶ : فقولوا به.

4.معاني الأخبار ص۱۵۶-۱۵۷.

5.معاني الأخبار ص۱۵۷.

6.الاُصول الستة عشر ص۱۶.

7.عيون أخبارالرضا عليه السّلام ج۲ ص۸۷ .