2 ـ وعند المتأخّرين :
وقد مضى المحدّثون على هذه السيرة ، باستعمال العنعنة من دون تحرُّج ، ومن دون التخصيص بطريقة معيّنة من طرق التحمّل ، مساوية لبقيّة الألفاظ ، لأدائها نفس الهدف لغة واصطلاحاً مع الاختصار الملحوظ ، حتّى أحدث المتأخّرون وهم مَنْ بعد الخمسمائة التفريقَ بينها ، فالتُزِم لكلّ واحد من الطُرق بلفظٍ أو أكثر محدّد من ألفاظ الأداء ، لأداء أدوار معيّنة وبأغراض خاصّة ، منها رعاية الحديث بمزيد من الدقّة والضبط والمحافظة ، ومعرفة أحوال الرواة مع المراقبة الأتمّ ، خصوصاً بعد الكشف عن عنصر الوضع والدسّ والتزوير ، بعد أن كثرت طرق الأحاديث واختلطت واختلفت .
ولقد بقيت الحاجةُ إلى ألفاظ الأداء ماسّةً ، لأداء الأغراض الثانية التي وُضعت لأجلها ۱ .
إلّا أنّ الحاجة الأساسية والغرض الأوّل من الألفاظ وهو التوصّل إلى المراد من المتون ، وفقه الحديث ، والاستناد إليه للعمل وتحديد الأحكام ، كان هو الأهمّ
دائماً ، فلذا لجأوا إلى اختزال طرق الإسناد ، بالاختصارات لألفاظ الأداء تارةً ، وبالتعليق للأسانيد على غيرها أُخرى ، وباستعمال «العنعنة» بدل الألفاظ الصريحة ، ثالثةً .
ومن أجل هذا اكتفوا بالعنعنة ، كما هي سيرة القدماء ، ولم يتقيّدوا باصطلاح متأخّر محدَث ، بل كما قال أحمد بن حنبل : «إذا قلتُ «عن» فقد خلّصتُه وخلّصتُ نفسي» ۲ فقد جعلها أحوط .
فلنسـتعرض التراث الإسلاميّ ، لنقف على هذه الحقيقة :
1.ولقد تحدّثنا عن كلّ ذلك في بحثنا المشار إليه «صيغ التحمّل والأداء» فلاحظ .
2.طبقات الحنابلة ۱ / ۲۰۳ وقد نقلناه .