أكثر بلاد ايران وظهرت الدواهى في جلّ الآفاق والنّواحي ، لا سيّما عراق العجم والعرب ؛ فلم يزل ساكنوها في شدّة وتعب ومحنة ونصب وانطمس العلم واندرست آثار العلماء وانعكست أحوال الفضلاء وانقضت ايّام الأتقياء حتّى أدرك بعضهم الذلّ والخمول وأدرك بعضهم الممات فثلم في الإسلام ثلمات ۱ وضعفت أركان الدّولة ووهنت أساطين السّلطنة حتّى حوصر بلدة إصفهان واستولت على أطرافها جنود أفغان ؛ فمنعوا منها الطعام وفشا القحط الشديد بين الأنام وغَلَت الأسعار وبلغت قيمة لم يبلغ إليها منذ خلقت الدنيا ومن عليها وصارت سكنة أصل البلاد ، إمّا مقيمين فيه جائعين وعن المشي والقيام عاجزين ، مستلقين على أقفيتهم في فراشهم لا يقدرون على السعي في تحصيل معاشهم ، أو مشرفين على الهلاك في مجلسهم يجودون للموت بأنفسهم ، حتّى صاروا أمواتا غير مدفونين في قبورهم وإن اتّفق دفن بعضهم وقليل ما هم ففي دورهم ، وإمّا هاربين من داخل البلد إلى الخارج فأرسل عليهم شواظ من نارٍ مارجٍ من صواعق نِصال السّهام والرّماح من جيوش أعدائهم فاستحيوا مخدّرات نسائهم وقتلوا رجالهم وذبحوا أطفالهم وغصبوا أموالهم ولم يبق منهم إلاّ قليل نجاهم الأسر والإسترقاق ، فهم أسراء مشدود الوثاق ؛ فأكثر سكنة تلك الأقطار إمّا مريض أو مجروح أو مذبوح على التّراب مطروح.
ثمّ آل الأمر إلى أن استولوا على تلك الدّيار فدخلوا في أصل البلدة وتصرّفوا في كلّ دار وعقار وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة ؛ فحبسوا الملك وقتلوا أكثر الأمراء مع بعض السكنة وباد بقية أهلها وخرب جبلها وسهلها ولم يبق من أوطانها إلاّ مقرّ يتيم ذي مقربة أو مسكين ذي متربة.
1.فثلم في الإسلام ثلمات / نگرنده است به حديث «إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء» (المحجّة البيضاء ، صحّحه و علّق عليه : على أكبر الغفّاري ، ج ۱ ، ص ۲۸) .