إيقاظُ الوَسنان - صفحه 193

وعلى أساس من هذا المعنى حكم العلماء بأنّ «بلديَّ الرجل أعرف به من غيره» واحتجّوا بمثل هذا، وعلّله الخطيب بقوله: «لما كان عنده زيادة علمٍ بخبره، على ما علمه الغريب بظاهره» ۱ .
فهؤلاء رواة الحديث عند الشيعة، الذين عَرفهم علماء الرجال الشيعة وترجموا لهم في كتبهم، وإذا كان ابن حَجر لا يعرفهم، فما ذنب الرواة حتّى يعدّهم ـ من أجل جهله هو ـ في كتاب الضعفاء؟
والعجيب! أنه ينعى على ابن حزم الأندلسيّ مثل هذا التصرّف، وأنّ «عادته إذا لم يعرف الراوي يجهّله» انتقده ابن حجر بهذا في «اللسان» مكرّراً، في ترجمة «أحمد بن عليّ بن أسلم» وترجمة «إسماعيل بن محمّد الصفّار» وذكر في ترجمة ابن حزم نفسه تجهيله للرواة المعروفين، والردّ عليه ۲ . وقد أطلق ابن حزم عبادة «مجهول» في خلقٍ من المشتهرين من الحفّاظ ۳ .
فقد وقع ابن حجر فيما عاب به ابن حزم، فاستحقّ أن يخاطب بقول الشاعر: «لاتَنْهَ عن خُلُقٍ وتاتي مثلَهُ...».
وثانياً: إنّ هذا التصرّف لغوٌ محضٌ لافائدة فيه علميّاً:
لإنّ الجرح والتعديل إنّما يُطلبان لغرض معرفة قيمة الحديث الذي ينقله الراوي، تضعيفاً وتوثيقاً، فإذا انتفى وجود الحديث فلا موضوع للجرح أو التعديل، لعدم الفائدة العلميّة المترقّبة.
والمفروض ـ كما أوضحنا ـ أنّ ابن حجر لم يعرف عن هؤلاء الذين نقل تراجمهم أيّ شي ء، ولم يقف لهم على أيّ حديث وذكر، سوى وجودهم في كتب الرجال الشيعيّة.
فما هي الفائدة المترتبة على تضعيفه لهم بذكره لهم في «لسانه»؟
فإن كان مراده أنْ يُسقط عن الاعتبار، تلك الروايات التي رواها هؤلاء، في التراث الشيعيّ،

1.الكفاية، للخطيب (ص ۱۷۵) ولاحظ، لسان الميزان ـ طبعة الهند ـ (۱ / ۳۶۹).

2.لاحظ: لسان الميزان (۴ / ۲۰۱ - ۲۰۲). ولاحظ ماذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (۱۱/۶۷).

3.الامام الترمذي والمواذئة بين جامعه و بين الصحيحين (ص ۳۱ ـ ۳۲).

صفحه از 215