والثالث: ما كان رواته كلاًّ أو بعضا ـ مع كون الباقي من القسم الأوّل والثاني ـ ممّن حكم بعدالته بالظنّ الاجتهادي.
والتأمّل في هذه الأقسام يشهد بأنّ لكلّ منها مراتب متفاوتة ، ويثمر ملاحظة التفاوت عند تعارض الأخبار ؛ إذ قد يحصل التعارض من غير حصول التعادل بالنظر إلى هذا التفاوت ، فلا يحتاج إلى الترجيح من جهة اُخرى ، فتدبّر.
السادس: قد يظهر من بعضٍ أنّ الإضمار في الحديث ينافي صحّته مطلقا ؛ لاحتمال أن يكون المسؤول عنه غير الإمام ، ولكنّه خلاف التحقيق ، بل الحق أنّ مضمرات كلّ واحد من الأجلاّء كزرارة وفضيل بن يسار و محمد بن مسلم و أضرابهم في قوّة المصرّحات ؛ لأنّا نعلم من حالهم أنّهم لا يعتمدون في الأحكام إلاّ على المنبع والمعدن فلا يسألون غيره ، فتعيّن المسؤول عنه. قال في المنتقى ونعم ما قال:
يتّفق في بعض الأحاديث عدم التصريح باسم الإمام الذي يُروى عنه الحديث، بل يشار إليه بالضمير، وظنّ جمع من الأصحاب أنّ مثله قطع ينافي الصحّة، وليس ذلك على إطلاقه بصحيح؛ إذ القرائن في أكثر تلك المواضع يشهد بعود الضمير إلى المعصوم بنحو من التوجيه الذي ذكرناه في إطلاق الأسماء، وحاصله أنّ كثيرا من قدماء رواة أحاديثنا ومصنّفي كتبه كانوا يروون عن الأئمة مشافهة ويوردون ما يروونه في كتبهم جملةً وإن كانت الأحكام التي في الروايات مختلفةً، فيقول أحدهم في أوّل الكلام: «سألت فلانا» ويسمّي الإمام الذي يروي عنه، ثم يكتفي في الباقي بالضمير فيقول: «وسألته» ونحو هذا، إلى أن ينتهي الأخبار التي رواها عنه، ولا ريب أنّ رعاية البلاغة تقتضي ذلك؛ فإن إعادة الاسم الظاهر في جميع تلك المواضع تنافيها في الغالب قطعا، ولما أن نُقِلت تلك الأخبار إلى كتاب آخر صار لها ما صار في إطلاق الأسماء توضيحا بعينه، ولكن الممارسة تطلع على أنّه لا فرق بين التعبير بين الظاهر والضمير. ۱
السابع: قد اشتهر بين أواخر المتأخّرين لفظان منسوب اختراعهما إلى صاحب المعالم رحمه الله : أحدهما «الصحي» والآخر «الصحر» ، فينبغي نقل ما ذكره في بيان اصطلاحه بالنسبة إليهما توضيحا لمراده ، فقال في المنتقى:
الأقرب عندي عدم الاكتفاء في تزكية الراوي بشهادة العدل الواحد وهو قول جماعة
1.منتقى الجمّان ، ج۱ ، ص۳۵.