الفوائد الرجالية - صفحه 357

معاصريهم من جهة الاستناد غالباً ، وإنّما تنفع المصنّفات بعد موت المصنّف في الأغلب سيّما إذا تباعد الزّمان ، فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدهر وأن يكون مرجعاً لمن يأتي بعدهم وأن يلتصقوا بها .
/ 50 / وإذا لوحظ هذا المعنى مع عدالة المصنّفين وورعهم وتقواهم وفطانتهم يظهر أنّ مرادهم من العدالة المعنى الذي هو مسلّم عند الكلّ حتّى ينتفع الجميع بما ذكروه من التعديل ، واحتمال الغفلة عن ذلك المعنى حين التأليف مع تمادي زمانه بعيد أيضاً سيّما مثل هؤلاء الفحول الصالحين .
ويدلّ على ما ذكرناه اتفاق أصحابنا على قبولهما مطلقين ؛ فإنّهم لم يزالوا يحكمون بعدالة الرواة ويستندون في ذلك إلى الشيخ والنجاشي وابن الغضائري وغيرهم من علماء الرجال ، فإذا رجعنا إلى دفاترهم لم نجد في كلامهم إلاّ الإطلاق ، غير أنّهم لا يعوّلون إلاّ على أرباب البصائر التامّة في هذا الشأن كالمذكورين دون من ضعف مقامه إلاّ أن يذكر السبب ، وكذلك وجدناهم يحكمون بالضعف ويقفون من الأخذ بالخبر إذا رماه واحد من هؤلاء بالضعف .
وبالجملة : لا إشكال في قبول التعديل من علماء الرجال من دون ذكر السبب بظهور إرادتهم ما هو متّفق عليه في زمانهم ؛ لكون دأب المصنّفين وطريقتهم في تصانيفهم وتأليفهم ذلك ؛ لمنافاة إرادة غيره لمقصودهم الذي هو رجوع من تأخّر عنهم إليها وانتفاعهم بها ، ولا يطلقون إلاّ إذا كان المراد ما لا خلاف فيه ، وإن أرادوا ما فيه خلاف فطريقهم الإشارة إلى ذكر السبب أو بيان ما وقع الخلاف فيه ، وكذلك الجرح فلا يجرحون مطلقاً إلاّ بما كان عند الكلّ جرحاً .
فإن قلت : إنّ ما ذكرت من إرادة المعنى الذي هو متّفق عليه وإن كان يستلزم تعميم النفع لكنّه مفوّت لفائدة اُخرى ، وهي أنّه قد يكون مذهب المجتهدين اللاحقين أنّ العدالة هي المعنى الأدنى ، فلا يعلم حينئذ كان متّصفاً بهذا المعنى أم لا ؟ فلو لم يُسقِط المؤلّف اعتبار هذا المقدار لكان النفع أكثر .

صفحه از 490