الفوائد الرجالية - صفحه 358

قلنا : مع أنّ هذا النفع بالنسبة إلى الأوّل أقلّ ؛ لذهاب الأكثر إلى المعنى الأعلى ، والقول بالأدنى بالنسبة إليه نادر ، كما يظهر من التتبّع في كلمات القوم ، بل ادّعى بعضهم اتّفاق الكلمة على المعنى الأعلى .
فيه : أنّا نراهم يمدحون الرجل بمدائح كثيرة توجب العدالة ، بمعنى حسن الظاهر بل وأزيد منه ، ومع ذلك لا يصرّحون بعدالتهم ، فمن ليس مذهبه في العدالة المعنى الأعلى فليأخذ بمقتضى هذا المدح ويجعله عدالة ، وهذا من أعظم الشواهد على أنّهم أرادوا بالعدالة المعنى الأعمّ ، فهم لاحظوا الأطراف وأخذوا بمجامع النفع .
بل نقول : إنّ ما يظهر بالتتبّع والتأمّل في كلماتهم أنّهم لا يختلفون في أنّ العدالة هي الملكة التي تبعث على ملازمة التقوى ، والمشهور صرّحوا باعتبار المروّة ۱ ، ولم يذكره بعضهم كشيخنا المفيد وجماعة اُخرى ، ونسبه في كنز العرفان ۲ إلى الفقهاء ، فظاهره إجماعهم على اعتباره وليس بذلك البعيد ؛ لأنّ ما ذكره الساكتون عنه في معنى العدالة يلزمه غالبا ، فلعلّ سكوتهم كان لذلك .
نعم ، جماعة من / 51 / لم أخرين صرّحوا بعدم اعتباره ولا يثمر خلافهم ثمرة فيما نحن بصدده ؛ فإنّ الكلام في تعديل أهل الرجال ، والظاهر اعتبار المروّة عندهم .
سلّمنا عدم اعتباره ، لكن العدالة المعتبرة في قبول الرواية هي التي توجب الثقة والاعتماد ، ومن لا مروّة له لا اعتماد عليه غالباً ؛ فإنّ عدمها في الأغلب إمّا لخَبل أو ضعف عقل أو لقلّة حياء .
وعلى التقديرين لا يبقى وثوق ؛ أمّا مع الخبل فظاهر ، وأمّا مع قلّة الحياء فلأنّ مَن لا حياء له يصنع ما يشاء ، وكفاك شاهداً في ذلك قول من قيل له : لِمَ تركت حديث فلان؟ [قال :] رأيته يركض على بِرْذَون . ۳

1.انظر بحار الأنوار ، ج۸۸ ، ص۳۲ .

2.كنز العرفان ، ج۲ ، ص۳۸۴ .

3.ذكر ذلك الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية ص۱۳۸ ، وفيه : «قيل لشعبة : لِمَ تركت حديث فلان . . .» إلى آخره .

صفحه از 490