وفي عودته(ص) من الحج في طريقه إلى المدينة نزل رسول اللّه بـ «غديرخم» في يوم صائف شديد الحرّ في الثامن عشر من ذي الحجة. فأذّن مؤذن رسول اللّه بردّ من تقدّم من الناس وحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان. فصلّى بالناس الظهر، وكان يوما هاجرا، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء. وظلّل لرسول اللّه(ص) بثوب على شجرة سمرة من الشمس؛ فلما انصرف رسول اللّه من صلاته قام خطيبا، فحمد اللّه وأثنى عليه. ثم أخذ بيد علي(ع) فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم جميعا، فقال: «أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلى.
فقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ـ يقولها أربع مرّات كما يروي أحمد بن حنبل ـ، ثم قال: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب».
فلما نزل رسول الله(ص) من الأقتاب التي صفت له، أخذ الناس يهنئون عليا(ع) يومئذ بالولاية. وممّن هناه يومئذ بالولاية الشيخان أبوبكر وعمر؛ قالا له: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
هذا مجمل حديث الغدير.
ورغم الظروف السياسية القاسية التي جرت على المسلمين في الصدر الأول من الإسلام في عصر بني أميّة، واهتمام الحكام يومئذ بالتعتيم والتكتم على فضائل الإمام أميرالمؤمنين عليّ(ع)، فقد شاءاللّه تعالى أن ينشر حديث الغدير، ويتولّى الصحابة والتابعون لهم بإحسان وطبقات المحدّثين والعلماء بعدهم رواية هذا الحديث حتى استفاض نقله وشاع مما لايدع مجالا لإشكال أو تشكيك.
وقدجمع بعض العلماء طرق حديث الغدير؛ منهم أبوجعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير و التاريخ؛ يقول ابن كثير: وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبوجعفر محمد بن جرير الطبرى صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلّدين، فيهما طرقه و ألفاظه. ۱
ومن المتأخرين، أفرد السيد حامد حسين اللكهنوي مجلّدين كبيرين [من كتابه
1.البداية والنهاية:۵/۲۲۷ حوادث سنة ۱۰هـ.