لكلّ واحدٍ من آحاد العقول مستقلّات تكون هي حجّةً عليها. فكما أنّها حجّة بذاتها فكذلک هي حجّةٌ في معقولاتها، حجّيّة الكشف للمكشوف. إذِ العقلُ عين الكشف و نوريُّ الذّات و لهذا يقابل مع الجهل ... إنّ العقول مختلفةٌ في إدراک المستقلّات من حيثُ الكميّة، فإنّ بعض العقولِ يستقلّ بعشرة أمورٍ و بعضَها بأكثرَ من ذلک و بعضَها بأقلَّ؛ و لكن ليس فيها آختلاف في مستقلٍّ واحدٍ. و بعبارةٍ أخرى اختلاف العقول انّما هو في التنبّه على مستقلٍّ من المستقلّات و عدمه. فإنّ الضعيف لنقصه و ضعفه لا يتنبّه و لكن الضعيف مع عدم استقلاله به لا يحكم بعدم الإستقلال؛ أي: لا يحكم بكون ذلک الغير المدرَک من غير المستقلّات و من الشرعيّات، بل يتوقّف و كأنّه يقول لاأدرى أ هو منها أم من غيرها؛ بخلاف الكامل إذ يعلم أنّه منها؛ فالضعفُ و الشدّةُ و الكمالُ في العقول إنّما هي في ذلک، لا أن يكون الناقص لنقصه مدركآ لبعض المستقلّات إدراكآ ناقصآ و يكون الكامل لكماله مُدرِكآ له إدراكآ تامّآ، فإنّ الّتمام و النقص هنا غير معقولٍ. بل الأمرُ دائرٌ بين الوجودِ و العدمِ. فإنْ أدركه فهو ممّا يستقلّ به و إلّا فلم يدركْه اصلا. و لا فرق فيما استقلّ العقلُ به بين عقل خاتم النبييّن و عقل أضعف الضعفاء. فمتى استقلّا يكونان فيه عَلى شَرْعٍ سواء. و بالجملة فبحسب الواقع تكونُ الأمورُ عَلى قسمَيْنِ و صنْفَيْنِ: أحدهما ما لا يستقلّ عقلُ أحدٍ من البشر به ـ أي بملاكه الّذي هو عبارة عن الحُسن و القُبحِ ـ حتّى عقلُ خاتمِ الأنبياء صلی الله علیه و آله و هذا الصّنف هو الّذي يكون حكمه تابعآ للمصالح و المفاسد و مجعولا عَلى طِبْقها. و ثانيهما ما يستقلّ به العقل الكلّ؛ أي: أكمل العقول، و هو القسم الّذي يكون مستقلاّ عقليّآ لا يحتاج إلى الشرع. و الناسُ في نيل آحاد ذلک القسم مختلفٌ؛ فبعضُهم كخاتم الرسلِ قد تنبّه عَلى كلّها و بعضُهم عَلى جُلِّها و