المراتب في فضائل عليّ بن أبي طالب(ع) - صفحه 178

قالوا : هذا محمّدٌ صلى الله عليه و آله يدّعي النبوّة ، وهؤلاء أحداثُ قريشٍ يؤذونَه ، وهذا عَليُّ بن أبي طالبٍ ابنُ عَمّه ، يُحامي عنه ، ويُقاتل دونه ، وأنزل اللّه فيه وفيهم : «كأنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنفِرةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسوَرَة »۱ ، شبّهه بالأسد ، وشبّههم بحمير الوحش .
وله السابقة في بدو الهجرة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ليُقْتَل بدَلَهُ ليلة الغار ، حين باتَ على فراشه ، باذلاً لمُهجَتِهِ تحت ظلال أربعمئة سيفٍ ، تبايعوا على قَتل رسول اللّه ، مِن أربعمئة قبيلة ؛ ليصير دَمُه هَدَراً ، وإلى الصباح كانوا وقوفاً على رأسه ، يختلفون في هَلْ هوَ رَسُول اللّه أم لا .
فقال قائلهم : نحتاج أنْ نرميَهُ بالحجارة ، فإن كانَ مُحمّداً فإنّه يَدْفعُ بسحره عن نفسه الحَجَر ، وإنْ كان غيره قامَ فرأيناه ، فكان يُرمى بالحجارة ، وهو يَصْبِرُ ولا يَتحرّك .
فقال قائلٌ : هو محمّدٌ .
وقال قائلٌ : «ليس بمحمّدٍ ؛ فإنّه يَتصوّر ومُحمّدٌ لا يَتَصوّر» ، يعني يتحرّك على نفسه ، ويجمعُ أطرافه لألم الحَجَر .
وفي الحديث : أنّهم بَقوا على هذا الخلاف إلى الصَّباح ، فلمّا أصبح قامَ فرأوه والعباءُ على كتفه ، فهربوا منه مخافة أن يَراهم فيعرفهُم .
وفي الحديث : أنّه أوحى اللّه إلى جبرئيل وميكائيل وقال : «إنّي آخيتُ بينكما ، وزِدتُ في عُمُرِ أحدكما ، فمن منكما يَهَبُ من أخيه زيادةَ عُمُره؟
قال : فكلُّهما يفكِّر في إيثار الحياة ، وفي زيادة العبادة .
فأوحى اللّه إليهما ، بأنّي قد آخيتُ بين محمّدٍ وعليّ ، وقد زدتُ في عُمُرِ عليّ عَلى عُمُرِ محمّدٍ ، وقد بذل مُهْجَته له ، وبات على فراشه ليُقْتَل بدله ، فاُلحقا به واحفظاه إلى الصباح .

1.سورة المدثر ، الآية ۵ .

صفحه از 236