المراتب في فضائل عليّ بن أبي طالب(ع) - صفحه 195

وروى عَليُّ بن مجاهدٍ ۱ في «التاريخ» عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
«عليٌّ خَيرُ البَشر ، فمن أبى فَقَد كفر ، ومَنْ رَضي فقد شكر» .
يعني به خير البشر في زمانه من اُمّته ۲ ، وأراد بالكفر الردَّ عليه ، وأراد بالشُّكر تَلَقّي المعرفة بهذا بأنّه نعمةٌ فَرَضي به وشكر .
وليس هذا في القوم كونه خَيرُ البَشر ، ومَنْ يأبى يكفر ، فهُما خُلَّتان تَفَرّد بهما .
ومن هذا قول الرسول صلى الله عليه و آله : «إنّه منّي» ، نحو قوله لجبرئيل يوم اُحدٍ :
«إنّه منّي وأنا منه» .
وقول جبرئيل له في حديث سورة براءة : «لا يَصْلح لذلك إلاّ أنت أو رجلٌ منك» .
فهذه الكلمة في هذه المواضع الخمسة تَفَرّد بها ، كلُّ موضعٍ يَضْمنُ شرفاً وفضيلةً ، ونيابةً عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والقيام مقامه فيما كان الرسول يجبُ أنْ يقومَ به .
ثمّ جَمَع صلى الله عليه و آلهبينه وبين نفسه في مواضع كثيرةٍ ، كلُّ واحدٍ منها نوعٌ من المدح ليس إلاّ له ، ونحن نجمعُ ذلك ليُعرف التعدّدُ :
فمن ذلك قوله له : «أنا وأنتَ ـ يا عليّ ـ أبوا هذهِ الاُمّة» ، أي يلزمك القيام بمصالح الاُمّة ، كما يلزمني على وجه شفقة الآباء ، ولم يَقُل لأحدٍ منهم هذا .
ومنه قوله : «أنت منّي كَضوْءٍ من الضَّوْء» ، أي فضلُك وعلمُك ودينُك ونورك كفضلي ، بمنزلة نورين وسراجين ، إذا وضعتَهما لم يتميّز أحدُ النُّورين من الآخر ،

1.هو عليّ بن مجاهد بن مسلم بن رفيع الرادي ويُعرف بابن الكابلي ، ولد سنة ۱۰۰ في الري ، محدّثٌ أخباري ، قدم بغداد ، وحدّث بها ، توفّي سنة ۱۸۲ ه ، له «كتاب المغازي» ، و«كتاب أخبار بني اُميّة» ، وقد استقى الطبري والمدائني والمسعودي من الكتابين في تدوين مصنّفاتهم التاريخية .

2.بل إنّ إطلاق قوله صلى الله عليه و آله يفيد أنّه عليه السلامخير البشر على الإطلاق ـ عدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ وفي جميع الأزمنة والأمكنة ، من غير اختصاص بزمان دون زمان .

صفحه از 236