غيبة الإمام المهدي (ع) بين النصوص و النقود - صفحه 13

وقال الصدوق في «الإكمال» : ولقد كلّمني رجلٌ بمدينة السلام فقال : إنّ الغيبة قد طالتْ ، والحَيْرة قد اشتدّتْ ، وقد رجع كثيرٌ من الأصحاب عن القول بالإمامة ; لطول الأمد ، فكيفَ هذا؟
فقلتُ : إنّ سنّة الأوّلين جاريةٌ في هذه الأُمّة ، حذوَ النعل بالنعل; كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غير خبر ، فليس بعجيب أن يستطيلَ الجهّال من هذه الأُمّة مدّة غيبة صاحب الزمان ، ويرجع كثيرٌ منهم عمّا كانوا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة ، ثمّ لايعتبر بقوله تعالى : ... وَ لاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الاَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ... ]الحديد:57/16[ ۱  .
أقول: ما أحسنَ هذا الكلام ، وألطفَه ! حيث استدلّ بالآية المباركة على وقوع طول الأمد وقسوة القلوب في الأُمم الماضية من أهل الكتاب ، واستدلّ بالخبر المعروف المستفيض عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «سيكون في أُمّتي كلّ ما كان في بني إسرائيل حذوَ النعل بالنعل والقذّة بالقذّة» على أنّه لابدّ من وقوعها في هذه الأُمّة ، أيضاً .
وورد ـ أيضاً ـ في بعض الأخبار أنّ الآية المذكورة نزلت في شأن القائم (عليه السلام)يعني نزلت فيه على سبيل الجري والتأويل .
ثمّ إذا كان الأمر قد بلغ في زمان الصدوق إلى هذا الحدّ من الحَيْرة والاختلاف ، مع قرب عهده بزمان حضور الإمام (عليه السلام) فكيف بمثل زماننا هذا الذي طالت فيه الغيبةُ ، ونيّفت على ألف سنة ، فقد اشتدّت الأُمور ، وكثرت الشبهات ، واتّبعوا الشهوات ، وزادت الحَيرة ، وقلّت الحيلة ، ورجع الناس عن الإسلام قهقرى ، وزادت الفتن والأحداث بأضعاف ما كان في زمان الصدوق .
ولكن قد ورد في أحاديث النبيّ والأئمّة(عليهم السلام) ما يمهّد القلوب ويوطّن النفوس لتجويز ذاك الاحتمال ، وأنّه يمكن أن يكون الطول بأزيد ممّا تخيّله هؤلاء ، كما يدلّ

1.إكمال الدين (ص ۱۶ ـ ۱۷) .

صفحه از 37