الفَصلُ الخامِسُ : إمامة أهل البيت
5 / 1
الاِحتِجاجُ عَلى إمامَةِ أهلِ البَيتِ
۱۸۱.كتاب سليم بن قيس :لَمّا كانَ قَبلَ مَوتِ مُعاوِيَةَ بِسَنَةٍ ، حَجَّ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ وعَبدُ اللّه ِ بنُ عَبّاسٍ وعَبدُ اللّه ِ بنُ جَعفَرٍ مَعَهُ . فَجَمَعَ الحُسَينُ عليه السلام بَني هاشِمٍ ؛ رِجالَهُم ونِساءَهُم ومَوالِيَهُم وشيعَتَهُم مَن حَجَّ مِنهُم ، ومِنَ الأَنصارِ مِمَّن يَعرِفُهُ الحُسَينُ عليه السلام وأهلُ بَيتِهِ ، ثُمَّ أرسَلَ رُسُلاً : لا تَدَعوا أحَدا مِمَّن حَجَّ العامَ مِن أصحابِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله المَعروفينَ بِالصَّلاحِ وَالنُّسُكِ إلاَّ اجمَعوهُم لي .
فَاجتَمَعَ إلَيهِ بِمِنىً أكثَرُ مِن سَبعِمِئَةِ رَجُلٍ وهُم في سُرادِقِهِ ۱ ، عامَّتُهُم مِنَ التّابِعينَ ، ونَحوٌ مِن مِئَتَي رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وغَيرِهِم . فَقامَ فيهِمُ الحُسَينُ عليه السلام خَطيبا ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ هذَا الطّاغِيَةَ قَد فَعَلَ بِنا وبِشيعَتِنا ما قَد رَأَيتُم وعَلِمتُم وشَهِدتُم ، وإنّي اُريدُ أن أسأَلَكُم عَن شَيءٍ ، فَإِن صَدَقتُ فَصَدِّقوني ، وإن كَذَبتُ فَكَذِّبوني : أسأَلُكُم بِحَقِّ اللّه ِ عَلَيكُم وحَقِّ رَسولِ اللّه ِ وحَقِّ قَرابتي مِن نَبِيِّكُم ، لَمّا سَيَّرتُم مَقامي هذا ووَصَفتُم مَقالَتي ، ودَعَوتُم أجمَعينَ في أنصارِكُم مِن قَبائِلِكُم مَن أمِنتُم مِنَ النّاسِ ووَثِقتُم بِهِ ، فَادعوهُم إلى ما تَعلَمونَ مِن حَقِّنا ؛ فَإِنّي أتَخَوَّفُ أن يَدرُسَ ۲ هذَا الأَمرُ ويَذهَبَ الحَقُّ ويُغلَبَ ، وَاللّه ُ مُتِمُّ نورِهِ ولَو كَرِهَ الكافِرونَ .
وما تَرَكَ شَيئا مِمّا أنزَلَ اللّه ُ فيهِم مِنَ القُرآنِ إلاّ تَلاهُ وفَسَّرَهُ ، ولا شَيئا مِمّا قالَهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله في أبيهِ وأخيهِ واُمِّهِ وفي نَفسِهِ وأهلِ بَيتِهِ إلاّ رَواهُ .
وكُلُّ ذلِكَ يَقولُ الصَّحابَةُ : اللّهُمَّ نَعَم ، قَد سَمِعنا وشَهِدنا .
ويَقولُ التّابِعِيُّ : اللّهُمَّ قَد حَدَّثَني بِهِ مَن اُصَدِّقُهُ وأَأتَمِنُهُ مِنَ الصَّحابَةِ .
فَقالَ : أنشُدُكُمُ اللّه َ إلاّ حَدَّثتُم بِهِ مَن تَثِقونَ بِهِ وبِدينِهِ .
قالَ سُلَيمٌ : فَكانَ فيما ناشَدَهُمُ الحُسَينُ عليه السلام وذَكَّرَهُم أن قالَ :
أنشُدُكُمُ اللّه َ ، أتَعلَمونَ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام كانَ أخا رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حينَ آخى بَينَ أصحابِهِ ، فَآخى بَينَهُ وبَينَ نَفسِهِ ، وقالَ : أنتَ أخي وأنَا أخوكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قال : أنشُدُكُمُ اللّه َ ، هَل تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله اشتَرى مَوضِعَ مَسجِدِهِ ومَنازِلِهِ فَابتَناهُ ، ثُمَّ ابتَنى فيهِ عَشَرَةَ مَنازِلَ ؛ تِسعَةً لَهُ ، وجَعَلَ عاشِرَها في وَسَطِها لِأَبي ، ثُمَّ سَدَّ كُلَّ بابٍ شارِعٍ ۳ إلَى المَسجِدِ غَيرَ بابِهِ ، فَتَكَلَّمَ في ذلِكَ مَن تَكَلَّمَ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : «ما أنَا سَدَدتُ أبوابَكُم وفَتَحتُ بابَهُ ، ولكِنَّ اللّه َ أمَرَني بِسَدِّ أبوابِكُم وفَتحِ بابِهِ» ، ثُمَّ نَهَى النّاسَ أن يَناموا فِي المَسجِدِ غَيرَهُ ، وكانَ يُجنِبُ فِي المَسجِدِ ومَنزِلُهُ في مَنزِلِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَوُلِدَ لِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ولَهُ فيهِ أولادٌ ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قال : أفَتَعلَمونَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ حَرَصَ عَلى كَوَّةٍ ۴ قَدرَ عَينِهِ يَدَعُها مِن مَنزِلِهِ إلَى المَسجِدِ ، فَأَبى عَلَيهِ ، ثُمَّ خَطَبَ صلى الله عليه و آله فَقالَ : «إنَّ اللّه َ أمَرَ موسى أن يَبنِيَ مَسجِدا طاهِرا لا يَسكُنُهُ غَيرُهُ وغَيرُ هارونَ وَابنَيهِ ، وإنَّ اللّه َ أمَرَني أن أبنِيَ مَسجِدا طاهِرا لا يَسكُنُهُ غَيري وغَيرُ أخي وَابنَيهِ» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أنشُدُكُمُ اللّه َ ، أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله نَصَبَهُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ، فَنادى لَهُ بِالوِلايَةِ وقالَ : «لِيُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغائِبَ» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أنشُدُكُمُ اللّه َ ، أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ لَهُ في غَزوَةِ تَبوكَ : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، وأنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أنشُدُكُمُ اللّه َ ، أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حينَ دَعَا النَّصارى مِن أهلِ نَجرانَ إلَى المُباهَلَةِ ، لَم يَأتِ إلاّ بِهِ وبِصاحِبَتِهِ وَابنَيهِ ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أنشُدُكُمُ اللّه َ ، أتَعلَمونَ أنَّهُ دَفَعَ إلَيهِ اللِّواءَ يَومَ خَيبَرَ ، ثُمَّ قالَ : «لَأَدفَعُهُ إلى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللّه ُ ورَسولُهُ ويُحِبُّ اللّه َ ورَسولَهُ ، كَرّارٍ غَيرِ فَرّارٍ ، يَفتَحُهَا اللّه ُ عَلى يَدَيهِ» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بَعَثَهُ بِبَراءَةَ ، وقالَ : «لا يُبَلِّغُ عَنّي إلاّ أنَا أو رَجُلٌ مِنّي» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَم تَنزِل بِهِ شِدَّةٌ قَطُّ إلاّ قَدَّمَهُ لَها ثِقَةً بِهِ ، وأنَّهُ لَم يَدعُهُ بِاسمِهِ قَطُّ إلاّ أن يَقولَ : يا أخي ، وَادعوا لي أخي ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَضى بَينَهُ وبَينَ جَعفَرٍ وزَيدٍ ، فَقالَ لَهُ : «يا عَلِيُّ ، أنتَ مِنّي وأنَا مِنكَ ، وأنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدي» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّهُ كانَت لَهُ مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كُلَّ يَومٍ خَلوَةٌ وكُلَّ لَيلَةٍ دَخلَةٌ ؛ إذا سَأَلَهُ أعطاهُ ، وإذا سَكَتَ أبدَأَهُ ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَضَّلَهُ عَلى جَعفَرٍ وحَمزَةَ حينَ قالَ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام : «زَوَّجتُكِ خَيرَ أهلِ بَيتي ؛ أقدَمَهُم سِلما ، وأعظَمَهُم حِلما ، وأكثَرَهُم عِلما» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ : «أنَا سَيِّدُ وُلدِآدَمَ ، وأخي عَلِيٌّسَيِّدُ العَرَبِ ، وفاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ ، وَابنايَالحَسَنُ وَالحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أمَرَهُ بِغُسلِهِ ، وأخبَرَهُ أنَّ جَبرَئيلَ يُعينُهُ عَلَيهِ ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
قالَ : أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ في آخِرِ خُطبَةٍ خَطَبَها : «أيُّهَا النّاسُ : إنّي تَرَكتُ فيكُمُ الثَّقَلَينِ ؛ كِتابَ اللّه ِ وأهلَ بَيتي ، فَتَمَسَّكوا بِهِما لَن تَضِلّوا» ؟
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
فَلَم يَدَع شَيئا أنزَلَهُ اللّه ُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام خاصَّةً وفي أهلِ بَيتِهِ مِنَ القُرآنِ ولا عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله إلاّ ناشَدَهُم فيهِ ، فَيَقولُ الصَّحابَةُ : اللّهُمَّ نَعَم ، قَد سَمِعنا ، ويَقولُ التّابِعِيُّ : اللّهُمَّ قَد حَدَّثَنيهِ مَن أثِقُ بِهِ ، فُلانٌ وفُلانٌ .
ثُمَّ ناشَدَهُم أنَّهُم قَد سَمِعوهُ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُ عَلِيّا فَقَد كَذَبَ ، لَيسَ يُحِبُّني وهُوَ يُبغِضُ عَلِيّا» ، فَقالَ لَهُ قائِلٌ : يا رَسولَ اللّه ِ ، وكَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : «لِأَنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، مَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّني ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّ اللّه َ ، ومَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَني ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّه َ» ؟
فَقالوا : اللّهُمَّ نَعَم ، قَد سَمِعنا . وتَفَرَّقوا عَلى ذلِكَ . ۵
1.السُّرادِقُ : هو كلّ ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خِباء (النهاية : ج ۲ ص ۳۵۹ «سردق») .
2.دَرَسَ : أي عفا (الصحاح : ج ۳ ص ۹۲۷ «درس») .
3.شرعَ البابُ إلى الطريق شروعا : اتّصل به (المصباح المنير : ص ۳۱۰ «شرع») .
4.الكَوَّة ـ ويُضمّ ـ : الخرق في الحائط (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۳۸۴ «كوو») .
5.كتاب سُليم بن قيس : ج ۲ ص ۷۸۸ ح ۲۶ ، بحار الأنوار : ج ۳۳ ص ۱۸۱ ح ۴۵۶ وراجع : الاحتجاج : ج ۲ ص ۸۷ ح ۱۶۲ .