موقف الحشوية من مصادر الفكر الإسلامي الحدیث و القرآن - صفحه 33

الرأي الباطل ، بل هو تعيين للوظيفة المقرّرة شرعاً من خلال طيّ المسالك ، وطرق المدارك .
والأُصول المذكورة ليست إلاّ مأخوذة من الأعراف في التعامل مع النصوص، وليس في اتّباعها إلاّ سيراً على المألوف بين أهل اللغة والتفاهم.
وأمّا الإجماع ، فلو كان كاشفاً عن وجود المعصوم (عليه السلام) كإجماع الأُمّة من دون مخالف فهو حجّة لاريبَ فيه ، بل ليس الخبرُ الواحد حجّة ـ عندنا ـ إلاّ إذا تحقّق الإجماع على نقله وتداوله ، ليخرج من كونه واحداً ، ويكون بحكم المتواتر الموجب للقطع.
وقد فصّل واحد من كبار القدماء الرأي الواضح في ذلك ، في ردّه على العامّة ، وهو أبو القاسم الكوفي ، فقال:
إنّ الحشوية يزعمون: إنّ الحديث يثبت لهم من جهة ناقليه ، ويفسد عندهم كذلك من جهة ناقليه ، على قدر تزكيتهم الناقل وانحرافهم عنه ، من غير نظر في معانيه ، ولا طلب لشواهد تصديقه وعلامات بطلانه.
وهذه حالة لا يرضاها إلاّ قليل البصيرة ، ناقص التمييز والمعرفة ، زائل الفهم.
فأمّا نحن: فلا نعوّل على ذلك ولا نقتصر عليه دون الشواهد والعلامات والدلائل الواضحات الدالّة على تحقيقها أو بطلانها، إذ كان من يَظُنُّ به أمثالُنا الصدقَ قد يجوز أن يكذب بحال من الأحوال الحقيقية ، وكذلك من يظنُّ به أمثالُنا الكذبَ قد يجوز أن يصدق بحال تقوم له في ذلك.
فلهذا ـ أو شبهه ـ لم نثق بإخراج خبر ، ولا بحقيقة ، من عدوٍّ ولاوليٍّ ، حتّى نعلم صحّته أو بطلانه ، بالشواهد اللائحة والأعلام الواضحة.
واتّبعنا في ذلك تأديب الله عزّوجلّ من قائل ، إذ يقول: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا وقال: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً.

صفحه از 34