وقد تناقل عنه القوم استدلالاته تلك.
فقال الخطيب: استدلّ بالوقائع التي حدثت في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) حين كان يُرسل واحداً في قضيّة ، فيُقبل قوله بلا نزاع، كما أرسل عليّاً (عليه السلام) بتبليغ سورة براءة فقُبِلَ منه ، ولم يقل له أحدٌ: «أنتَ واحدٌ ، ولا تقوم عليَّ الحجّة بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)بعثك إليّ...» وما يجوز هذا في شيء قطعه عليه عليٌّ برسالة النبي(صلى الله عليه وآله) بأن يقول: «لم أسمعه من رسول الله(رحمهما الله) ولم ينقله إليّ عددٌ ، أو لاأقبل فيه خبرك وأنتَ واحد» ۱ .
أقول: لاريبَ أنّ استدلاله إنّما ينصبُّ على إيجاب الخبر الواحد للتعبّد به ، لا أنّه موجب للقطع والعلم ، والتعبّد لايتوقّف على القطع، بل قد يُنجّز فيه الاحتمال ، كما لو كان في الأُمور المهمّة ، كالأموال والأنفس والأعراض ، وما يوافق الاحتياط والحذر ، كما أنّ البحث ليس في ما تحتفّ به القرائن الخاصّة الدالّة على الحجّية ، فضلاً عن العلم ، كما أسلفنا ، فإنّ ذلك يخرجه عن كونه خبراً واحداً ، وقد يكون ذلك في المحتوى والمؤدّى والمضمون، الموجب لنفي الاحتمال.
وما كان يحمله رُسُل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ما كان يخلو من واحد أو أكثر من هذه القرائن.
والدليل على إرادة الشافعيّ الاستدلال بذلك على التعبّد لاعلى القطع: استدلالُه بتبليغ الإمام (عليه السلام) لسورة براءة من القرآن ، مع أنّ القرآن لايثبت بخبر الواحد الخالي من القرائن.
فمقتضى استدلاله: إمّا التعبّد ، مجرّداً عن القطع ، أو القطع بما جاء به ، باعتبار عدم كونه خبراً واحداً لاحتفافه بالقرائن ، لإجماعهم على عدم ثبوت القرآن بالواحد المجرّد الظنّي ، كما سيجيء.
وبما أنّ الشافعي بصدد إثبات حجّية خبر الواحد ، فمراده مجرّد التعبّد.
1.(الفقيه والمتفقّه) للخطيب (۱ / ۱۰۰ ـ ۱۰۱) .