الحديث أهله وبيّنه لهم وأسمعهم ، ولا سيّما فاطمة ، لأنّها حوله ، والمسألة تخصّها أعظم من غيرها ، لأنّ لها النصف وحدها ، وهي حول الرسول ، مستعدّة للتعلّم منه في دينها ، ولقبول ما جاء به والعمل به .
مع ما جاء في رواية البخاري وغيره أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم سارّ فاطمة فبكت ثمّ سارّها فضحكت وأنّه في ذلك أخبرها باقتراب أجله وأنّها أوّل أهله لحوقاً به .
وعلى هذا فقد علم أنّه يموت قبلها وأنّها تعتقد أنّها وارثته لقول الله تعالى : وإن كانت واحدة فلها النصف فكيف يتصوّر مع هذا أن يكتم عنها : «أنّه لا يورّث وأنّ ما تركه كلّه صدقة»؟ حتّى يوقعها في مطالبة أبي بكر بالإرسال أوّلاً ، ثمّ بإتيانه بنفسها ثانياً؟ ومجادلته واتّهامه والتألّم من منعه لها وهجرها له حتّى ماتت (رضي الله عنها)؟!
مع أنّه لو بيّن الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم لها أنّها لا ترث ، وأنّ جميع ما تركه صدقة لقبلتْ ذلك ورضيت به وانشرح له صدرها ، لكمال إيمانها وسلّمت تسليماً ، وسلمت من المطالبة والخصومة والأذى باعتقادها أنّها مظلومة .
وهل يتصوّر من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، وبنته فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من صفوة المؤمنين ، فرحمتها لكونها منه بمنزلة البضعة من لحمه صلّى الله عليه و آله و سلّم وهي بنته لم يخلّف ولداً غيرها ، ولكونها من صفوة المؤمنين وخيارهم ۱ فهل يتصوّر منه ـ مع هذا ـ أن يكتم عنها هذا الكتمان الذي يؤدّيها إلى هذه المحنة .
ومع ذلك يعطي خصمها الحجّة ، ويعلمه ـ دونها ـ ما يدحض حجّتها ، ويسوّغ له إغضابها؟!
فيجمع أبوها عليها حرمان الميراث ، وحرمان تعليم الصواب فيما يخصّها ،
1.اُنظر الفائدة الثامنة عشرة والتاسعة عشر من الخاتمة الآتية .