النكارة في هذا
نكارة بيّنة لمن فكّر في هذا الحديث :
أوّلاً : في قوله «استنكر عليّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر وبيعته» فإنّ علياًعليه السّلام كان همّه إرضاء ربّه لا إرضاء الناس ، فكيف يبايع لإرضاء الناس واستصلاح نظرهم إليه وبسط وجوههم! وقد كان أجلّ من أن يبايع لأجل ذلك ، في حال علمه أنّه على الحقّ وليس لأبي بكر حقّ في البيعة ، ولا لشيعته حقّ في أن يرضيهم بالبيعة .
ثانياً : لا حاجة به إلى الإرسال إلى أبي بكر ليعتذر إليه من التخلّف عن البيعة ، مع أنّه يعلم أنّه على الحقّ في تخلّفه ، وأنّه إنّما أراد البيعة للاضطرار لانقباض وجوه الناس عنه ، أو إعراضها ، لأنّه يكفي أن يبايع فيرضى بذلك الناس ويسلم تنكّرهم .
ولا يصحّ أن يقال : إنّه أرسل إلى أبي بكر ليبايعه سرّاً فلم يرض أبو بكر إلّا أن تكون البيعة بمحضر الناس .
لأنّا نقول : إنّ هذه الرواية تدلّ على أنّ عليّاً أراد البيعة لإرضاء الناس ، وذلك يستلزم إعلانها من أوّل الأمر ، لأنّ البيعة في السرّ لا ترضيهم إذا لم يعلموها ، فإن كان المقصود أنّ تُسرَّ ثمّ تبلّغ إلى الناس فلا معنى لإسرارها ، لأنّ الغرض من أوّل الأمر ظهور بيعته للعامّة .
ثالثاً : إنّ هذا الكلام الذي في الرواية أمكنته ثلاثة :
أوّله عند أبي بكر حين جاء ه الرسول ، وتحاور هو وعمر في أن يصير أبو بكر وحده أو يصير إلى علي ومعه غيره للخوف من فتك علي به .
وأوسطه الكلام في بيت علي عليه السّلام بزعم هذه الرواية ، وقد ذهب أبو بكر وحده .
وآخره في المسجد .
فكيف تكون عائشة حاضرة في الثلاثة الأمكنة لتروي الكلام بتمامه أوّله وأوسطه وآخره ، وهي امرأة مأمورة بالبقاء في بيتها ، ومستبعد دخولها بيت عليّ