الزهري: أحاديثه و سيرته - صفحه 130

النكارة فيه

نكارةٌ تتجلّى من وجوه :
الأوّل : أنّ ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد بيّنها رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم على رؤوس الأشهاد يوم غدير خمّ ، وعلّم ذلك للعبّاس وغيره ، فلا يتصوّر من العبّاس أن يقول مقالة الجاهل في من هذا الأمر؟ بأن يطلب من علي عليه السّلام الذهاب لسؤال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم وبأن يردّد الاحتمال : إن كان فينا وإن كان في غيرنا ، وقد وضح الأمر يوم الغدير ، ولم يبق للترديد مجال .
الثاني : أنّ العبّاس كان في ذكائه وفطنته لا يخفى عليه كراهية كثير من الناس لعلي عليه السّلام لصلابته في الحقّ وكثرة من قتل من قراباتهم وأصحابهم ، فلو كان العبّاس كلّمه في هذه القضيّة لكان الرأي أن يقول لعلي عليه السّلام : اذهب بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فلنسأله عن هذا الأمر : أليس فينا؟ فإذا قال : «بلى» طلبنا منه التصريح للناس وزيادة البيان حتّى لا يقدروا على منازعتنا فيه ، فهذه العبارة تكون أحسن من أن يقول : إن كان فينا علمنا ذلك ، لأنّ علمهم ـ أعني بني هاشم ـ لا يكفي لحصول المقصود الذي دلّ عليه بقوله ـ في رواية الزهري ، وبزعم الزهري ـ : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، لأنّه لا يدفع ذلك إلّا وضوح الأمر للعامّة وضوحاً لا يحتمل التأويل ، فأمّا علم بني هاشم به فلا يدفع معارضة من يعارض ويستميل العامّة فيغلب بني هاشم .
فالكلام في الرواية غير متناسب ، وتلك نكارة لا تليق بالعبّاس وجودة رأيه وحسن تدبيره ، فالزهري أولى بها .
الثالث : أنّ تولّي غيرهم لا يستلزم على الإطلاق أن يكون علي عليه السّلام عبد العصا ، لأنّه يمكن أن يلي الأمر غيره ويكون لعلي عليه السّلام حريّة مواطن مسلم ، فالعبارة ركيكة يبعد أن يعبّر بها العبّاس ، وكان القياس لو صحّ الكلام عن العبّاس أن تكون العبارة : أنت بعد ثلاث رعية ، أو نحوها .

صفحه از 229