الرابع : أنّ هذه الرواية توهم أنّ عليّاًعليه السّلام مقرّ للعبّاس بعدم النصّ عليه من قبل ، ومقرّر له على ذلك الترديد : إن كانت فينا وإن كانت في غيرنا ، كأنّ عليّاًعليه السّلام لم يحضر يوم الغدير ، ويسمع ويرى توليته فيه ، ولم يسمع حديث المنزلة ولا غيرهما ، بل كأنّه لا يعلم دليلاً على إمامته!
وهذا هو ما يرومه البكريّة والعثمانيّة وسائر النواصب لتصويب من تقدّمه وتخطئة من قدّمه .
الخامس : أنّ العبّاس لم يقل : اذهب بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فلنسأله أن يولّيك بعده الخلافة ، لم يقل هذا في الرواية ، إنّما قال ـ بزعم الزهري ـ : إذهب بنا فلنسأله في من هذا الأمر . . . إلى آخره .
وإذا لم يكن العبّاس طلب منه الذهاب معه لطلب أن يولّيه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فجواب علي عنه غير مطابق ، والجواب المطابق أن يقول : لئن سألنا رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم عن هذا الأمر فأخبرنا أنّه ليس فينا لا يعطينا الناس .
فالجواب بما لا يطابق نكارة في الرواية لمخالفته الحكمة ، والزهري أولى بذلك .
السادس : أنّ عليّاًعليه السّلام أجلّ من أن يقول ما ذكره الزهري : «لئن سألناها فمنعناها لا يُعطينا الناس بعده» فإنّ معنى هذا أنّه رجّح السكوت طمعاً في أن يعطيه الناس لأنّه يخشى أن يمنعه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فيمنعه الناس ، مع أنّ الرواية هذه تذكر أنّ العبّاس أراد سؤال رسول الله في من هذا الأمر؟ فيكون معنى الجواب : أنّ الأولى البقاء على الجهالة في من هذا الأمر؟ لرجاء أن يعطيه الناس ما لم يعطه الله في شريعته ، ولا دلّ عليه كتاب ولا سنّة ، بل ما يحتمل أنّه حقّ في الواقع لكون علي أحقّ من غيره ويحتمل أنّه باطل في الواقع وأنّ غيره أحقّ بالأمر ، فأعطاه الناس غلطاً في الاختيار ، فهو يفضل أن يعطيه الناس ولو غلطاً على معرفة الحقّ في هذه القضيّة!
وهذا لا يليق بمن هو مع الحقّ والحقّ معه .