الزهري: أحاديثه و سيرته - صفحه 132

السابع : أنّ هذا الجواب لو قاله علي عليه السّلام لكان يفهم أنّ عليّاً يستبعد أن يعطيه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ويستقرب أن يعطيه الناس إذا لم يكن قد منعه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فلذلك رجّح انتظار أن يعطيه الناس على سؤال الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم .
وهذا بعيد جدّاً ، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم أقرب إلى علي من الناس ، وأخصّ به ، وأعلم بكمال علي ، وكمال صلاحيّته لهذا ، وكمال قوّته وقدرته للقيام به ، لما له من البسطة في العلم والجسم ، والإصابة في الحكم ، والعدالة والورع والصبر والثبات ورباطة الجأش والسماحة والسخاء ، وغير ذلك من صفات الكمال .
وعلي عليه السّلام يعرف منزلته عند رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ومعرفته به ، لملازمته له من قبل البعثة إلى هذا الحين المذكور في الرواية ، وما خصّه به في حديث الغدير والمنزلة والكساء والمباهلة وتبليغ براء ة وراية يوم فتح خيبر ، وغير ذلك .
فكيف يكون ظنّه في الناس أحسن من ظنّه في رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ؟!
فهذه نكارة في حديث الزهري .
الثامن : أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم لا يمنع عليّاًعليه السّلام منعاً باتّاً إلّا إذا كان لا يصلح لها أو لا تصلح له ، وحينئذ فعلي عليه السّلام لا يريدها لأنّه لا يريدها بغير حقّ ، لزهده في الدنيا وورعه .
وأكثر ما يقدر وقوعه جواباً من الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم على فرض أنّه لم يسبق منه بيان يوم الغدير ولا غيره ، أكثر ما يقدر وقوعه منه حينئذ ، إذا سأله علي عليه السّلام أن يجيبه ويقنعه بإحالة الأمر إلى الشورى ، وذلك لا يكون منعاً ، ولا صارفاً للناس عن إعطائه بالشورى .
فكيف يخاف علي عليه السّلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم لا يعطيه؟ ولا يحيله إلى الشورى بين الاُمّة؟ بل يظنّ أنّه سيمنعه إن سأله منعاً باتّاً ، مع كمال صلاحيّته لها بلا ريب ، ثمّ يكفّ عن السؤال حذراً من المنع لكونه الراجح في نفسه أنّه سيكون لو سأل؟
فهذه نكارة شنيعة في رواية الزهري هذه .

صفحه از 229