قد جاءكم هذا بالفصل من أمره وأمركم ، فانظروا أوّلاً بمن يباهلكم ، أبكافَّة أتباعه ، أم بأهل الكتابة من أصحابه ، أو بذوي التخشُّع والتمسكن ۱ والصفوة ديناً ، وهم القليل منهم عدداً ، فإن جاءكم بالكثرة وذوي الشدّة منهم ; فإنّما جاءكم مباهياً كما يصنع الملوك ، فالفلج إذاً لكم دونه ، وإن أتاكم بنفر قليل ذوي تخشُّع ; فهؤلاء شجنة ۲ الأنبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم ، فإيّاكم والإقدام إذاً على مباهلتهم ، فهذه لكم أمارة ، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه ، فقد أعذر من أنذر .
فأمر (صلى الله عليه وآله) بشجرتين فقصدتا وكسح ما بينهما ، وأمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء أسود رقيق ، فنشر على الشجرتين ، فلمّا أبصر السيِّد والعاقب ذلك خرجا بولديهما ۳ : صبغة المحسن ، وعبدالمنعم ، وسارة ، ومريم ، وخرج معهما نصارى نجران ، وركب فرسان بني الحارث بن كعب في أحسن هيئة .
وأقبل الناس من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم وألويتهم وأحسن شارتهم ۴ وهيئتهم ، لينظروا ما
1.في طبعة ( ق ) : التمسك ، والإمساك عند الرهبان : التقتير في العيش والامتناع عن بعض المآكل تنسّكاً وتعبّداً .
والتمسكن : بمعنى التذلّل والتخضُّع ، كما في غريب الحديث ۱/۱۵۵ ، أو صار مسكيناً ، كما في لسان العرب ۱۳/۲۱۷ ، وتاج العروس ۵/۲۲۵ . وغيرهما .
2.ذكر (قدس سره) في بحار الأنوار في بيانه ]۲۱/۳۳۵[ قوله : والأظهر : شجنة ـ بالشين المعجمة والنون ـ كما في بعض النسخ . قال في النهاية ]۱/۳۲۲ وهو نقل بالمعنى ، ولاحظ : صفحة : ۴۰۰ [ : الرحم شجنة من الرحمن ، أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ، شبّهه بذلك مجازاً واتّساعاً ، وأصل الشجنة ـ بالكسر والضمّ ـ شعبة من غصن من غصون الشجرة . انتهى . ثمّ قال : وسيأتي : وشيج ، وله أيضاً وجه . وفي نسخة قديمة : وشجة .
3.في إعلام الورى عن الحسن البصري : . وغدا العاقب والسيِّد بابنين ، على أحدهما درّتان كأنّهما بيضتا حمام . فحفّوا بأبي حارثة .
4.الشارة : اللباس والهيئة .لاحظ : غريب الحديث لابن قتيبة ۱/۱۱۹ ، وكذا النهاية ۲/۵۱۸ ، ولسان العرب ۱/۱۸۹ . وغيرهما .