المباهلة برواية صاحب الإقبال - صفحه 270

قال حارثة : وأحذّركم ـ يا قوم ! ـ أن يكون من قبلكم من اليهود أسوةً لكم ، إنّهم أنذروا بمسيحين : مسيح رحمة وهدى ، ومسيح ضلالة ، وجعل لهم على كلّ واحد منهما آية وإمارة ، فجحدوا مسيح الهدى وكذّبوا به ، وآمنوا بمسيح الضلالة الدجّال وأقبلوا على انتظاره ، وأضربوا في الفتنة وركبوا نتجها ، ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وقتلوا أنبياءه والقوّامين بالقسط من عباده ، فحجب الله عزّ وجلّ عنهم البصيرة بعد التبصرة، بما كسبت أيديهم ، ونزع ملكهم منهم ببغيهم ، وألزمهم الذلّة والصِّغار ، وجعل منقلبهم إلى النار .
قال العاقب : فما أشعرك ـ يا حار ! ـ أن يكون هذا النبيّ المذكور في الكتب هو قاطن يثرب ، ولعلّه ابن عمّك صاحب اليمامة ، فإنّه يذكر من النبوّة ما يذكر منها أخو قريش ، وكلاهما من ذرّيّة إسماعيل ، ولجميعهما أتباع وأصحاب يشهدون بنبوّته ، ويقرّون له برسالته ، فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها ؟
قال حارثة : أجل ـ والله ! ـ أجدها ـ والله ! ـ أكبر وأبعد ممّا بين السحاب والتراب ، وهي الأسباب التي بها وبمثلها تثبت حجّة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وأنبيائه .
وأمّا صاحب اليمامة ; فليكفك فيه ما أخبركم به سفراؤكم وعِيركم والمنتجعة منكم أرضه ، ومن قدم من أهل اليمامة عليكم ، ألم يخبروكم جميعاً عن روّاد مسيلمة وسمّاعيه ، ومن أوفده صاحبهم إلى أحمد بيثرب فعادوا إليه جميعاً بما تعرّفوا هناك في بني قيلة ۱ وتبيّنوا به ، قالوا : قدم علينا أحمد يثرب وبئارنا ثماد ۲ ومياهنا ملحة ،

1.قيلة : هي أم الطائفتين الأوس والخزرج وهم الأنصار .

2.الثمد ـ بالفتح والتحريك ـ وككتاب : الماء القليل الذي لا مادّة له ، كما في الصحاح ۲/۴۵۱ ، وزاد في العين : الماء القليل يبقى في الأرض الجلد . وقيل : الماء القليل الّذي يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف . انظر : العين ۸/۲۰ ، والنهاية لابن الأثير ۱/۲۱۵ ، ولسان العرب ۳/۱۰۵ . وغيرها .

صفحه از 251