فقال حارثة : الآن أسفر الصبح لذي عينين ، ووضح الحقّ لمن رضي به ديناً ، فهل في أنفسكما من مرض تستشفيان به ؟ !
فلم يرجعا إليه قولاً ، فقال أبو حارثة : اعتبروا الإمارة الخاتمة من قول سيِّدكم المسيح (عليه السلام) فصار القوم إلى الكتب والأناجيل التي جاء بها عيسى (عليه السلام)فألْفَوا في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح (عليه السلام) : يا عيسى ! يا ابن الطاهرة البتول ! اسمع قولي وجدَّ في أمري ، إنّي خلقتك من غير فحل ، وجعلتك آية للعالمين ، فإيَّاي فاعبد ، وعليّ فتوكَّل ، وخذ الكتاب بقوَّة . ثمّ فسّره لأهل سوريّا وأخبرهم أنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا الحيُّ القيُّوم الذي لا أحول ولا أزول ، فآمنوا بي وبرسولي النبيّ الأمِّيِّ الذي يكون في آخر الزمان ; نبيِّ الرحمة والملحمة ، الأوّل والآخر . قال : أوّل النبيّيين خلقاً ، وآخرهم مبعثاً ، ذلك العاقب الحاشر . فبشّر به بني إسرائيل .
قال عيسى (عليه السلام) : يا مالك الدهور ! وعلاَّم الغيوب ! من هذا العبد الصالح الذي قد أحبَّه قلبي ولم تره عيني ؟
قال : ذلك خالصتي ورسولي المجاهد بيده في سبيلي ، يوافق قوله فعله ، وسريرته علانيته . أنزل عليه توراة حديثة ، أفتح بها أعيناً عُمياً ، وآذاناً صمّاً ، وقلوباً غلفاً . فيها ينابيع العلم ، وفهم الحكمة ، وربيع القلوب ، وطوباه وطوبى أُمَّته . قال : ربّ ! ما اسمه وعلامته ؟ ! وما أكل أمَّته ؟ ! يقول : ملك أمَّته وهل له من بقيَّة ـ يعني ذرّيّة ـ ؟ ! قال : سأنبئك بما سألت ; اسمه : أحمد منتخب من ذرّيّة إبراهيم ، ومصطفى من سلالة إسماعيل ، ذو الوجه الأقمر ، والجبين الأزهر ، راكب الجمل ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يبعثه الله في أمّة أُمّيّة ما بقي الليل والنهار ، مولده في بلد أبيه إسماعيل ـ يعني مكّة ـ كثير الأزواج ، قليل الأولاد ، نسله من مباركة صدّيقة ، يكون له منها ابنة ، لها فرخان سيِّدان يستشهدان ، أجعل نسل أحمد منهما ، فطوباهما ولمن أحبَّهما ، وشهد أيّامهما فنصرهما .
قال عيسى (عليه السلام) : إلهي ! وما طوبى ؟ !